عابت المؤرخة الدكتورة وفاء المزروع أستاذة التاريخ في كلية الشريعة بجامعة أم القرى على تاريخ المجتمعات في الأندلس عدم عرضه لدور المرأة العملي كما يليق بها؛ في الوقت الذي ركزت فيه معظم دراساته على المرأة الأندلسية الشاعرة والجارية والمغنية والمحظية، متجاهلًا إلقاء الضوء على المرأة العالمة والمثقفة التي خدمت الدين والمجتمع، كما لم يسلط الضوء على مشاركاتها السياسية ودورها في اتخاذ القرار آنذاك.
جاء ذلك في محاضرتها التي قدمتها يوم الأول من أمس بالصالون الثقافي النسائي بجدة، وسط حضور نسائي كبير من الأكاديميات والمثقفات، وبإدارة اللقاء من قبل مسؤولة الصالون نبيلة محجوب، قدمت فيها المزروع قراءة للدور الثقافي للمرأة المسلمة متخذة من نساء الأندلس في التاريخ نموذجًا لذلك، حيث ألقت المزروع الضوء على أكثر من 20 شخصية نسائية اختلفت أدوارهن العلمية والثقافية في الأندلس على مر عصورها، مبينة أن سبب ظهورهن حينها كان بسبب البيئة الأندلسية المتطورة والسمحة التي جدت فيها الاستقرار السياسي والنهضة العلمية ومنهن: العالمة عابدة المدنية، والتي اشتهرت بالفصاحة، وكذلك العالمة إشراق التي عرفت برواية الشعر وتفسيره، وأسماء بنت غالب، وولادة بنت المستكفي، وفاطمة بنت زكريا، لافتة إلى أن مهنة الوراقة لم تكن مقتصرة على الرجال حيث شاركت فيها النساء كذلك، حيث وجدت قرابة الـ (170) امرأة عملن في كتابة المصحف الشريف بالخط الكوفي. داعية سيدات المجتمع من مثقفات وكاتبات وأكاديميات إلى ضرورة البحث والتنقيب عن مختلف الشخصيات النسائية التي كان لها دور بارز في التاريخ الإسلامي مؤكدة في حديثها على وجود أكثر من 200 شخصية نسائية في التاريخ الإسلامي لم يتم التعرف عليها حتى وقتنا الحاضر.
وكانت وفاء قد استهلت حديثها مشيدة بدور الصالون الثقافي، آملة أن يمد جسور التعاون مع مختلف الدواوين والصالونات الثقافية والأدبية بمنطقة مكة المكرمة، مبينة أن منبع فكرة الصالونات الثقافية والدواوين الأدبية هو نسج فكري نسائي عريق، مشيرة إلى أن نساء الأندلس من رائدات تخصيص المجالس النسائية الثقافية في بيوتهن، مبينة أن الإسلام منح المرأة المسلمة مكانة عريقة لتكون بذلك عنصرًا مشاركًا في مختلف التعاليم الفكرية والدينية والثقافية، مؤكدة أن المرأة المسلمة لم تكن جاهلة ولا معزولة عن المجتمع حيث كان لها دور فعال في مختلف المجالات وهذه دلالة على قوة المرأة وقدرتها على العطاء متى ما سنحت لها الفرصة والدعم الكافي فكان منهن المثقفات والأديبات والشاعرات والمحدثات والطبيبات والفقيهات اللاتي كان يأخذ بعلمهن الرجال للتعلم في حينها. نافية بذلك كل ما يكتب عن الدين الإسلامي فمن تهمة محاربة المرأة وعزلها عن المجتمع ومنعها من تلقي العلم، مبينة أن حديثها عن نساء الأندلس ما هو إلا تقريب لحال المرأة المسلمة العالمة على مدى تاريخ الحضارة الإسلامية.