تعاطفت المناضلة الصومالية “سادو علي ورسمه” مع حركة التحرر الوطني في الإقليم الصومالي الخاضع للدولة الإثيوبية حينئذ, حيث قدمت الكثير من المساهمات في إطار التعاطف القومي والانساني مع سكان الإقليم الصوماليين الذين خاضوا النضال في سبيل حق تقرير مصيرهم من السلطات الإثيوبية, والتي أحكمت سيطرتها على إقليمهم في عامي 1948-1954 حين منحت بريطانيا هذه الأراضي للدولة الإثيوبية.
اتخذت “سادو” من الفن والغناء نهجا للمقاومة والتحرر، خاصة وأنها كانت فنانة صومالية من مبدعي الصف الأول في الوسط الفني الغنائي والمسرحي, ولدت في عام 1950 بمديرية بوهودلي الواقعة في محافظة توجظير, وانتقلت إلى العاصمة الصومالية مقديشو في عقد السبعينيات من القرن الماضي, حصلت على تعليمها الأساسي في مدينة مقديشو وتخرجت عام 1981 من ثانوية بنادر في مديرية هذن بمحافظة بنادر.
أمتلكت سادو المقومات التي تؤهلها كي تصبح جزء لا يتجزأ من مسيرة المقاومة، فحضور الشابة إلى العاصمة الصومالية مقديشو, جاء محملا بكل تلك المعاني والأرضية الثقافية والنضالية, وهذا ما أهلها للانخراط في الحركة الفنية الصومالية (غناء ومسرح), نظرا لأنها انحدرت من التيار الرئيسي الاجتماعي الثقافي في البلاد, مما سهل تقبل الجماهير لها, إضافة لكونها كانت تتميز بقوة الشخصية والتي تمثل جزء أساسي من سيكولوجية المرأة الصومالية الريفية.
مع حلول عام 1987 ونظرا لمدى تردي الأوضاع في جمهورية الصومال الديمقراطية, حضرت فرقة مسرحية غنائية على المسرح الوطني بمدينة مقديشو, وتضمن ذلك العمل إحدى الأغاني السياسية الوطنية التي تنتقد الوضع العام في البلاد, وقبيل أداء الأغنية تمت مشاورات بين الفنانيين أعضاء الفرقة, لإختيار المطرب الذي سيؤدي تلك الأغنية الحساسة والمستفزة سياسيا، خاصة في ظل حضور الرئيس الصومالي محمد سياد بري للحفل, فحرص معظم الفنانين على عدم المشاركة في أداء الأغنية التي كان عنوانها لاندكروزر، فأعلنت سادو أنها ستقوم بأدائها نيابة عن بقية المطربين.
وقفت “سادو” على المسرح في مواجهة الرئيس محمد سياد بري, بصورة مباشرة وهي تشير له باصبعها مرددة ” أنت يا رجل أنت يا رجل”، مقارنة ما بين قوة العربة اليابانية ذات الدفع الرباعي وبين قوة الرئيس الصومالي, ومدى استبداده على أبناء شعبه الذين سحقهم هنا وهناك, وهو ما استفزه وأغضبه, الأمر الذي أدى لإعتقال الفنانة سادو من قبل جهاز الأمن بعد أدائها للأغنية, حيث صفعها أحد الضباط على وجهها, مما أثار أزمة اجتماعية, إذ وجه أبناء قبيلتها دعوة للاحتكام القبلي، استنادا للعرف الاجتماعي الصومالي والذي يعاقب على التعدي الجسدي الذي يرتكبه الرجل ضد المرأة, وانتهت تلك المصالحة بتقديم الاعتذار لأقارب الفنانة سادو من قبل الطرف المعتدي.
لم تقف الفنانة المناضلة عند تلك الواقعة، بل ظلت تعلن مواقفها الوطنية الواضحة, مؤكدة علانية عن إسثيائها للحرب الأهلية التي انطلقت في محافظات الشمال الغربي من الصومال عام 1988 ما بين الحكومة الصومالية والحركة الوطنية الصومالية (القبلية), وأشارت الفنانة المناضلة في مواقف عديدة للتجاوزات التي تقوم بها الحكومة الصومالية ضد المواطنيين في شمال غرب البلاد, وبذلك ارتفعت مكانة الفنانة المناضلة لدى المجتمع الصومالي الذي قدر دورها النضالي ضد استبداد النظام الحاكم في البلاد, ليسقط الحكم في ديسمبر عام 1990, نتيجة وقوع مواجهة مسلحة بين الحكومة والمؤتمر الصومالي الموحد (القبلي) في مدينة مقديشو, لينتهي الأمر بطرد الرئيس الصومالي من العاصمة في يناير 1991, ودخلت البلاد في حرب أهلية طويلة المدى.
حينها غادرت الفنانة المناضلة سادو في إتجاه العاصمة الكينية ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية, حيث استضافها هناك العداء الصومالي الدولي عبدي بيله عبدي, وظلت ما بين مقيمة ومتنقلة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول عدة, منها جيبوتي, جنوب إفريقيا, الإمارات العربية المتحدة, كندا, أوروبا والصومال, وفي عام 2012 عادت مجدداً إلى مقديشو، ولكن كعضوة في مجلس النواب الصومالي وممثلة عن إدارة أرض البونت في البلاد، وكانت من ضمن التجارب النضالية التي خاضتها الفنانة سادو علي ورسمه, تمسكها المبدائي بوحدة الصومال كدولة, وواجهت بكل شجاعة مشروع تقسيم الصومال والنيل من وحدته الوطنية, ناهيك أنها دافعت ودعمت قضايا العدالة الاجتماعية من حقوق المهمشين الصوماليين من قبائل الجبويه ومعارضتها لتعديات القبلية والتي تتم تحت غطاء قوات وميليشيات قبلية موالية للحكومة الصومالية الحالية في محافظة شبيللي السفلى, والتي راح ضحيتها الكثير من الصوماليين, فضلا عن حركة النزوح الواسعة من المحافظة.
في اتجاه آخر لعبت الفنانة والمناضلة سادو دورا بارزا في تعبئة الشعب الصومالي لمواجهة حركة الشباب الإرهابية, وساهمت بالعديد من الأعمال الغنائية التي كشفت محتوى حركة الشباب وتعدياتها على المجتمع الصومالي, ودافعت عن الحقوق المدنية للمهاجرين الصوماليين في دولة جنوب إفريقيا وما يتعرضون له من إعتداءات على أيدي الفئات الإجرامية الخارجة عن القانون في هذا البلد.
مع قدوم يوم 25 يوليو 2014 تم اغتيال سادو برفقة سائقها في مدينة مقديشو, من قبل مجموعة مسلحة لاحقوا سياراتها, وهي في طريقها إلى الفندق الذي كانت تقيم فيه وأعلنت وقتها حركة الشباب الصومالية مسؤوليتها عن الهجوم الذي كان جزءاً من خطة اغتيال المشرعين الصوماليين.