الغريب بحق في أمر هذه الحياة، أنه كلما مضى بنا العمر، زادت خبراتنا وتراكمت معارفنا، وعندما نبلغ ذروتها نكون على مشارف نهاية العمر أو أننا وصلنا لسن متقدم جداً.
ولكن تبقى هناك فرصة حقيقية للاستفادة من مثل هذه الخبرات بالنهل من تجارب الأكثر خبرة وأكثر تمرساً، والتعرف على كيفية معالجة كافة العقبات والتعامل مع الصعوبات، لكن مع الأسف ما يحدث لدى معظمنا هو تنكر لمثل هذه التجارب وتجاوز لمثل هذه الخبرات دون التفات أو دون اقتناع، فنخوض تجارب مريرة محزنة يكون الفشل حليفها والإخفاق صديقها، ولو أننا اختصرنا على أنفسنا واستمعنا لمن هو أكثر خبرة ودراية ومعرفة لتجاوزنا مثل هذه المطبات الحياتية.
الحياة صعبة وقاسية بكل ما تعني الكلمة، وفيها أنواع متنوعة من الأحزان وفيها أشكال مختلفة من البؤس والألم، لا توجد سعادة مطلقة فيها كما لا توجد أحزان دائمة، لكن مسيرتنا بمرها وحلوها تمنحنا مناعة وثقة بكل ما نفعله ونعتقده، لكن تبقى الحياة تعلمنا أصنافاً من التجارب تذهلنا فعلاً، وكأننا في مدرسة منذ نعومة أظفارنا حتى رحيلنا.
توجد مقولة بليغة جداً ومعبرة للدكتورة إليزابيث كوبلر روس، وهي طبيبة نفسية سويسرية ـ أمريكية متخصصة بدراسة الموت والخسارة، الفقدان والحزن، تقول: «أخبرت أبنائي بأن يحتفلوا بتخرجي حال موتي، فما الموت بالنسبة لي إلا تخرج من مرحلة الحياة الصعبة».
ولم يخطئ أبداً من قال في يوم من الأيام إن أعظم مدرسة هي مدرسة الحياة، بل لم يجانب الصواب. ويكفي أن دروس الحياة تحفر في قلوبنا وعقولنا ولا يمكن أن تمحى أو أن تنسى. تظل تلك الضحكات التي صدرت من قلوبنا ماثلة وتظل أوقات السعادة الحقيقية لا تنسى، وبنفس الوتيرة تبقى جميع الذكريات الموجهة المؤلمة الحزينة ماثلة، يمكن أن نتناساها لكنها موجودة في إحدى زوايا الخاطر، يمكن أن تخرج في أي لحظة ضعف وإصغاء لترانيم الماضي.
صعوبة الحياة الحقيقية تتمثل في الشعور بالوحدة والفقد الدائم، تتمثل في الشعور بالفشل في إقناع الآخرين بجوهرك وحقيقة روحك ومنطلقات تفكيرك. ببساطة متناهية اصغي أيتها الفتاة وأنت كذلك أيها الفتى لكلمات من يكبرك سناً، اختصر على نفسك الألم والتجارب الفاشلة، عندما تشاهد امرأة أو رجلاً عجوزاً .. استوقفه واسأل عن الذي يشغلك في هذه الحياة، وستجد إجابة لن تتوقعها أبداً ولن تخطر على بالك .. ومن لا يصدقني عليه بالتجربة.