تكثر التجاذبات حول الإجهاض في الشارع البريطاني، لا سيّما في ما بين الهيئات الأهليّة. لكن القانون الذي يحكم ذلك، يجيز إنهاء الحمل لدى طبيب مسجّل وفق شروط معيّنة.
في عام 1967، صدر قانون الإجهاض في بريطانيا وعُدّل في عام 1990، وهو ينصّ على الحق في الإجهاض في حال كان الاستمرار في الحمل يعرّض حياة الأم إلى الخطر أو يسبّب لها مشاكل جسديّة أو نفسيّة، وبشرط ألا تتجاوز فترة الحمل 24 أسبوعاً. كذلك، يُسمح بالإجهاض إن كان الجنين سيولد بعاهة جسديّة أو عقليّة.
على الرغم من السماح بالإجهاض تحت شروط إنسانيّة قد تنقذ حياة عدد كبير من النساء، إلا أن قسماً كبيراً منهنّ يلجأن إليه بعد تورّطهنّ في حمل غير مرغوب فيه، وتحوّلهنّ عرضة لمخاطر جمّة صحيّة أو اجتماعيّة. فبريطانيا تأوي مواطنين من أصول آسيويّة ما زالت تتمسّك بتقاليدها، وما زالت تغسل شرف بناتها بقتلهنّ في حال حملن من دون زواج، حتى لو كنّ في المجتمع البريطاني.
لم تقتنع الحملات المناهضة للإجهاض بالأعذار والحجج التي تبرّر الإقدام عليه، واعتبرته جريمة بحقّ جنين عاجز لا يقوى على الدفاع عن نفسه. وازدادت مضايقات أصحاب تلك الأفكار المعادية للإجهاض في السنوات الأخيرة، الأمر الذي أدّى إلى ازدياد شكاوى الحوامل اللواتي توجهن إلى مراكز صحيّة بهدف التخلّص من الحمل غير المرغوب فيه، وواجهن في طريقهنّ هؤلاء المعارضين الذين راحوا يصورونهنّ لدى دخولهنّ وخروجهنّ من تلك المراكز. وقد تعرّضن كذلك إلى كمّ هائل من الأسئلة المحرجة وإلى محاولات لإقناعهن بالامتناع عن التخلّص من الجنين، في ظل تجاهل ظروف كلّ امرأة.
أظهرت بيانات صادرة عن وزارة الصحة البريطانيّة في عام 2013، أنّ 81% من عمليّات الإجهاض تعود لنساء عازبات. وقد وصل عددها الإجمالي إلى 185 ألفاً و331 عمليّة، أي بزيادة 0.1% عن عام 2012 وبزيادة 2.1% عن عام 2003. وقد تراوحت أعمار تلك النساء ما بين 15 و44 عاماً. أما تكاليف تلك العمليات، فتحمّلتها خدمات الصحة الوطنيّة بنسبة 98%.
ووصل معدّل الإجهاض إلى أعلى مستوياته لدى الشابات اللواتي يبلغن من العمر 22 عاماً. أما الفئة العمريّة التي هي دون الـ15 عاماً، فقد سجّلت 773 عمليّة إجهاض، في حين أنّ عدد العمليات التي خضعت لها النساء اللواتي تخطين 45 عاماً بلغ 686 عمليّة في عام 2013. إلى ذلك، بلغت نسبة النساء ذوات البشرة البيضاء 76% في مقابل 9% من الآسيويات و9% من ذوات البشرة السوداء.
أمّا نسب أسباب الإجهاض، فقد شكّلت احتماليّة ولادة طفل معوّق 1% منها مع ألفَين و732 عمليّة، في حين أن احتمال معاناة المرأة من أمراض نفسيّة احتلّت مساحة كبيرة في التقارير. كذلك، فإن مشاكل الحمل من تقيؤ وأمراض السكري وغيرها تأتي دافعاً لإنهاء الحمل.
لكن التقرير لم يتطرّق إلى أحد الأسباب المحرجة التي قد تتجنّب أي امرأة التصريح عنها، في حين تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي وبأسماء مستعارة. ولعلّ أبرزها، جهل المرأة بهويّة والد جنينها بعد إقامتها علاقتَين أو أكثر في الوقت ذاته. وتزدحم المواقع الإلكترونيّة بروايات تلك النساء. ولكل واحدة منهنّ أسبابها التي أدخلتها في متاهات ووضعتها في مواقف صعبة.
في هذا السياق، يقول مدير التواصل في منظمة "مجتمع حماية الطفل الذي لم يولد" أنطوني أوزيميتش لـ"العربي الجديد"، إنّ "الإجهاض ليس حلاً. ومن الخطأ قتل أبرياء، لأنّ الجنين يعتبر فرداً في عائلة البشريّة. ومهما كانت الظروف التي تعانيها الأم من فقر أو غيره، إلا أن الإجهاض لا يجوز". أما في ما يتعلّق بظروف قاهرة وثقافة قتل الفتاة إن حملت من دون زواج، فيقول أوزيميتش إنه في تلك الحالة لا يلوم الأم إن قرّرت الإجهاض. لكنه يوضح أن ثمّة مؤسّسات تدعم تلك النساء وتحميهنّ إن لجأن إليها.
من جهتها، تعارض الدكتورة ويندي سافيج من مجموعة "أطباء مع حق اختيار المرأة للإجهاض"، اعتبار تلك العمليّة جريمة، وتدعو إلى وجوب تعريفها كأي إجراء طبي آخر. وتقول إنّ قانون تجريم الإجهاض يعود إلى عام 1803، في حين كان يُعتبر جنحة قبل هذا التاريخ. وتشدّد على أن "الجنين يعتمد على الأم كي ينمو. ويبقى لها الحق في الإبقاء عليه أو إنهاء الحمل".
وتلفت سافيج إلى أنّ "قرار الإجهاض ليس سهلاً، لكنّ الأم هي التي تقرّر بشأن حمل غير مخطّط له، مهما كانت الأسباب". وتتحدّث عن "فئة صغيرة تحبّذ التضحية بحياتها لإنقاذ الجنين، إن كانت حياتها في خطر".