عندما يُمارس العنف ضد النساء والفتيات، نعتبره ونحن محقون جريمة ومأساة. ولكن ينبغي أيضاً أن نقر بحقيقة أنه: أزمة صحية عامة ووباء عالمي. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن أكثر من ثلاثين في المئة من نساء العالم عانين من اعتداءات جسدية أو جنسية من شركاء حياتهن. وتعرض زهاء 140 مليون فتاة وامرأة للختان. وتم تزويج ما يزيد على 60 مليون امرأة تتراوح أعمارهن بين العشرين والرابعة والعشرين قبل سنّ الـ 18، وكثير منهن أجبر على الزواج.
ويؤثر العنف على النساء في شتى بقاع الأرض، بغض الطرف عن ثقافتهن أو حالتهن الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما يعتبر عقبة أساسية دائمة أمام الرعاية الصحية وتقدم الضحايا من الفتيات والنساء وأسرهن ومجتمعاتهن. ورغم الانتباه العالمي المتزايد لهذه الانتهاكات واسعة النطاق ضد حقوق الإنسان، وما أحرز من تقدم على صعيد الدراية بكيفية التعامل معها، لا تزال مستويات العنف ضد المرأة مرتفعة بدرجة غير مقبولة.
ولابد أن نتعامل مع العنف ضد المرأة مثلما نواجه أي وباء آخر، عن طريق الاستجابة بصورة ملائمة للضحايا وسرعة التحرك من أجل تطبيق إجراءات وقائية. ولكن أي إجراءات تجدي على وجه التحديد؟ قادنا هذا السؤال في معهد «المرأة العالمي» بجامعة «جورج واشنطن» إلى إجراء مراجعات لعمليات التدخل التي كان الغرض منها منع أو تقليل العنف ضد المرأة. وأجرينا عملية تدقيق في أكثر من مائة دراسة أجريت في كافة أرجاء العالم، من أغنى الدول إلى أشدها فقراً. وتواصلنا مع أكثر من ثلاثين خبيراً لتحديد الدراسات التي ربما نكون قد فوتناها. وتم نشر النتائج في عدد نوفمبر الماضي من دورية «ذا لانسيت».
والخبر السار أن العنف ضد النساء والفتيات يمكن منعه. وأكثر البرامج فعالية في ذلك هي أكثرها طموحاً. فهي تتضمن مجتمعات بأسرها، من النساء والفتيات والرجال والشباب من كافة الأعمار والخلفيات، تعمل بصورة متناغمة لتحدي المواقف والسلوكيات. وأدت برامج ناجحة في أوغندا وكينيا على سبيل المثال إلى تمكين الفتيات المراهقات من خلال تدريبهن على مهارات حياتية ومهنية والدفاع عن النفس. وأظهر الفتيات اللائي تم تدريبهن في البرنامج تحسناً كبيراً في الدراية بالصحة الإنجابية، وتراجعت الاعتداءات الجنسية في كينيا بنسبة تصل إلى 60 في المئة.
وفي تجربة عشوائية، تم تزويد نساء في مناطق ريفية جنوب أفريقية بفرص تمويل وجلسات تنمية مهارات خاصة بفيروس «أتش. آي. في» المسبب لمرض الإيدز، والمفاهيم الاجتماعية التي تمثل تحدياً، والتواصل والتعامل مع العنف. وبعد عامين، أظهرت التجربة تراجعاً بنسبة 55 في المئة في تقارير عنف شركاء الحياة ضد المرأة. وتم توسيع نطاق هذا النموذج في جنوب أفريقيا وامتد ليشمل تنزانيا وبيرو.
وفي النهاية، بات واضحاً أن التدخلات الشاملة تبدو واعدة بدرجة كبيرة وتؤكد أن الاستثمار في هذه البرامج يمكن أن يحدث اختلافاً. ولكننا اكتشفنا أيضاً أن جل الأبحاث الموجودة لسوء الحظ لا تزال محدودة وقاصرة بدرجة كبيرة.
وهناك خطوات مباشرة يمكن أن تتخذها الجهات الحاكمة من أجل المضي قدماً، ففي الولايات المتحدة يمكن أن يمرر الكونجرس قانون العنف الدولي ضد المرأة، والذي يضمن أن السياسة الخارجية الأميركية تدعم أفضل الممارسات لتقليص ومنع العنف على أساس النوع. وعلى الأمم المتحدة أن تضع ضمن أهدافها التنموية المستدامة للعام 2015 تقليص العنف ضد النساء والفتيات. ومثل أي جهود لحل أزمة صحية عالمية كبيرة، لابد من إجراء أبحاث واسعة لتحديد العلاجات الأفضل في مختلف المواقف.
* مديرة معهد المرأة العالمي في جامعة جورج واشنطن