كثيرةٌ هي محطات الحياة.. محطةٌ يعاني فيها الإنسان من الحزن الذي يكاد يعتصر قلبه وأعماق نفسه ألما ، وإذا بفرحة تجعل نفس هذا الإنسان الذي كان حزيناً بالأمس، يكاد اليوم يطير فرحاً وكأنه سيلامس السماء لحدث مفاجئ يهدى إليه دون تنظيم أو ترتيب مسبق من البشر بل القدر لعب دورا به وجعله هدية له لإسعاده .
محطةٌ يفترق فيها الإنسان عن أناس يحبهم ، كان يعتقد بأن الحياة لا تدوم إلا بهم، وإذا به في محطة أخرى يلتقي فيها بغيرهم فيصبحون ظله وشيئا هاما في حياته .
ومحطة أخرى فيها فشلٌ يتوقف عنده الإنسان ليستجمع قوته ،ويتحكم بإرادته ليغادره سريعاً.. فإذا بالنجاح حليفَه في محطة أخرى..
إنها الحياة وفطرة الكون التي فطرنا الله عليها ، ليلٌ نظن أحياناً من شدة سواده وعتمة سمائه أنه لن ينتهي، فإذا بفجر جديد يولد يشق خيوط الظلمات، فيتولد الأمل في النفوس متجدداً بالحياة . وشمس تشرق وترسل أشعتها بقوة ،و من شدة حرارتها ونورها وتوسطها السماء، نظن أنها لن تغرب أبداً، فإذا بها ترحل على وعد بشروق جديد مع الغروب .
وأشجار تتعرى في خريف ماطر وشتاء طويل كئيب وثلوج تغلق الطريق لأيام نظنها لن تذوب ،فيذوب ويكشف عما تحته برداء أخضر جميل ، يتبعه ربيعٌ تكتسي فيه الأشجار بها وتتفتح فيه الأزهار في سيمفونية حياة رائعة متجددة .
إنها طبيعة الحياة وفصولها الأربعة كما طبيعة البشر ولادة وطفولة وشباب وكهولة إلى أن يحل خريف العمر والغروب والغياب، تلك الطبيعة في الحياة التي عرفت منذ خلق سيدنا آدم ،و التي لا بد وأن تولِّد لدينا إرادة الحياة بالإقتداء بمن سبقنا والتعلم من خبراتهم ومن دروس حياتهم ، فنتعلم بأن اليأس يحتاج إلى تفاؤل لنقضي عليه، والألمُ نتحدَّاه بالأمل والصبر ، والظلامُ لا بد وأن يتلاشى بنور القلوب والإيمان ، إنها فطرة الكون وحكمة الخالق عز وجل، فلعل الإنسان يتأمل ويتفكر ويدرك أن دوام الحال من المحال.. واللهم لك الحمد في كافة الظروف و الأحوال.
إنه الحمد والشكر و الامتنان الذي تطرقت إليه مؤلفة كتاب( The Secret) ففي النسخة المترجمة لهذا الكتاب (والتي صدرت بعنوان "السر"، يقول جيمس راي عن الامتنان: "كان الامتنان تمريناً فعالاً لي. في كل صباح أنهض وأقول: "الحمد لله"، وفي كل صباح تلمس قدماي أرض الغرفة أقول: "الحمد لله"، ثم أبدأ بالتفكير في الأشياء التي تستحق الحمد. هذا بينما أغسل أسناني وأقوم بطقوس الصباح، ولا أكتفي فقط بالتفكير بشأنها والقيام ببعض العادات الروتينية. بل إنني أصوغ الحمد وألهج به وأستشعر في نفسي مشاعر الامتنان. إن قوة الامتنان تسمو فوق كل شيء آخر.."
وأنا أقرأ هذه الفقرة في كتاب "السر" وأتأمل النعم التي قد لا يشعر بعضنا بها في كثير من الأحيان نظراً لتقلبات الحياة التي تشتد علينا فتأخذ البعض منا بعيداً عن دائرة الحمد والشكر والامتنان لله على الكثير من النعم؛ تذكرت جدتي - بارك الله لي فيها- وأنا صغيرة، أسمعها دائماً تردد: "الحمد لله"، وتوصيني برفق أن أحمد الله دائماً، وكبرت وهي -جزاها الله عني خيراً- تشرح لي الآية الكريمة:
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)،
وتقول لي: يا علياء، هذا وعد الله للشاكرين.. فاللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك!
عبير الكلمات:"اجتهدْ في أن تقتربَ من نفسكِ، ولا تنتظر الصدفة لتجمعك بها في حوار تتأمل فيه ذاتك."
ودمتم بخير سالمين