عام جديد يقبل على المرأة المصرية، إيزيس ربة الخلق، وماعت آلهة العدل، دون تغير يذكر فى وضعها، مقموعة فى وضع اجتماعى منخفض وتعليمى أسوأ، مثل بقية المصريين، تحلم وتأمل وتنتظر، ولكن لأنها الحلقة الأضعف، فانتظارها طويل وخيبة أملها أشد مرارة، إنها لا تزال على الهامش، فلا تتعدى مساهمتها فى الاقتصاد المصرى إلا أقل من 20% ونسبة البطالة بينها خمسة أضعاف الرجل، لأن العديد من مؤسسات القطاع الخاص لا تفضل توظيفها، ونسبة الأمية بينها 39% أقل قليلًا من الرجل، ولكن المؤلم حقا أن تحتل مصر المركز الأخير فى التقرير الذى يقيس مدى التزام الدول بأحكام الاتفاقية الدولية لمكافحة التمييز ضد المرأة المعروفة باسم (سيداو لعام 1997) يليها العراق، فالمصرية التى شاركت بكل قواها فى إشعال ثورتين، فوجئت أن هذه المشاركة قد تحولت لتكون وبالا عليها، وحتى بعد سقوط نظام الإخوان المعادى لها، ظلت تتعرض لكل أنواع التحرش فى الشارع وللاغتصاب والعنف المنزلى وللتميز فى مجال العمل، وهو وضع مؤسف فى البلد الذى أخرج أولى ملكات التاريخ، وكان دائمًا سباقًا وسط عالمه العربى فى تعليم المرأة وتقلدها للمناصب، ها هو يتراجع للوراء ليعود بنسائه إلى ظلمة القرون الوسطى، ماذا كان يمكن أن يفعل الإخوان أكثر من هذا؟
ولكن حال المرأة المصرية خارج مصر أفضل بكثير، هناك العديد من النماذج التى حققت نجاحات باهرة تمسح عنا وصمات العار التى نشعر بها، فقد حملت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعى عدة أسماء تعد علامات بارزة فى العام الفائت، وجعلتنا نرى أنه يكفى أن تتيح للمرأة المصرية قدرًا من السماوات المفتوحة حتى تنطلق إلى نهاية الأفق، وقد قدم طارق سليمان فى موقع سكوب إمباير سطورًا مختصرة عن مصريات يخضن معترك الأعمال العالمى بروح من الجدة واكتشاف عالم الغد الحافل بإنتاجات التكنولوجيا.
أولاها هى منى دفراوى ، فرغم جمال وجهها، وملامحها الطفولية فإن مجلة فوربس التى تهتم بعالم الأعمال تصفها بأنها أقوى امرأة فى عالم التكنولوجيا، وواحدة من أقوى 100 امرأة فى العالم ، هى خبيرة فى مجال الاستثمار، وقد أطلق عليها فى عام 2010 لقب المرأة الأكثر نفوذًا فى وادى السيليكون الشهير، حيث تتنافس شركات تكنولوجيا المعلومات الضخمة، وهى لا تتعامل إلا مع الشركات الناجحة، تعيد هندستها لتصبح أكثر نجاحًا، وتمكنها من أن تطرح أسهمها فى البورصات العالمية، فعلت ذلك مع العديد من الشركة على مدى عشرين عامًا، وأنقذت شركتها من الأزمة المالية فى عام 2008.
وهناك أيضًا تهانى عمرو ، بحجابها وهيئتها الأمومية تقود فريقا مستقلا مهمته تقييم أى مشروع تقوم به أى مؤسسة كبرى، وهى تشرف الآن على إدارة التقييم والتطوير فى وكالة ناسا لأبحاث الفضاء، وقامت فى العامين الماضيين بمراجعة برنامجى ديسكفورى و فورنتيرز ، وكذلك مراجعة جهاز الأمن الداخلى للوكالة نفسها، وليس هذا هو مجال خبرتها الوحيد، فعلى مدى 17 عامًا اكتسبت خبرتها البحثية فى إدارة المشاريع فى لا نجلى ، مقر المخابرات الأمريكية، وفى نيو بورت، حيث أحواض بناء السفن وفى مجال اختبارات السوائل الديناميكية وتطوير الآلات، لقد اكتسبت خبرة عريضة أهلتها فى عام 2006 للحصول على جائزة ناسا للأداء، وحصلت أيضًا على براءة اختراع للموصل الحرارى فى الأجهزة التى تحتوى على الرقائق المعدنية.
أما رنا القليوبى ، بلونها القمحى المصرى، فهى تعمل فى مجال الكمبيوتر، وتقود فريقا مهمته قراءة ملامح الوجوه وانفعالاتها العاطفية بواسطة برامج متخصصة على الكمبيوتر، وتوجد فى خزائن برامجها ملامح نحو 2 مليون شخص، وهى باحثة علوم فى معهد ماسوستش للتكنولوجيا وهدفها تحسين التواصل البشرى، خصوصًا من الذين يعانون من نقض فى الاتصال الوجدانى، مثل مرضى التوحد، وتقوم فى معملها بأبحاث رائدة لتحسين السمع من خلال ارتداء أنواع خاصة من النظارات الزجاجية، وقد وصفت جريدة نيويورك تايمز هذا الاكتشاف بأنه فى مقدمة أفضل 100 اختراع عرفته البشرية، ووصفت رانا بأنها واحدة من سبع سيدات جديرات بالمتابعة فى عام 2014.
والنموذج الرابع معروف لنا داخل مصر، فهى داليا مجاهد ، مستشارة الرئيس الأمريكى لشؤون العالم الإسلامى، وبخاصة الشرق الأوسط، وقد اختارتها العديد من الدراسات الاستراتيجية كواحدة من أكثر النساء تأثيرًا فى سياسات هذا العالم.
النموذج الخامس هى مها إبراهيم ، بابتسامة واسعة تقود هذه السيدة واحدة من كبرى شركات وادى السيليكون فى مجال التكنولوجيا الرقمية والشبكات والاستثمار فى الفضائيات، وحصلت على العديد من الجوائز، وهى مستشارة لأكثر من شركة ضخمة فى نفس الوقت، والنموذج السادس هو رانيا هادى التى تقوم عبر البحار بالإشراف على البرامج النوعية التى تنتجها شركة جوجل فى شمال إفريقيا، وهى تكرس وقتها من أجل دعم الأنشطة الشبابية والحفاظ على البيئة.
آخر هذه النماذج هى منى الطحاوى والعديد منا يعرفون أنشطتها وبخاصة فى صدامها مع وفود الإخوان فى أثناء زيارتهم لأمريكا، ولكنها قبل ذلك صحفية حرة تعمل فى أمريكا وعاشقة للثورة، وقد تحملت عسف الشرطة المصرية فى أثنائها، لقد ظهرت مقالاتها فى كبريات الصحف الأمريكية وهى من أشد المدافعين عن قضايا المرأة فى العالم الإسلامى. هذه نماذج صغيرة من نساء مصريات، سلالة إيزيس وماعت، أتيحت لهن فقط مساحة من التفهم وقدر من الحرية.