القارس أو البرد القارس ( بالسين ) من الجذر الثلاثي ( ق ر س ) قال فيه ابن منظور صاحب اللسان :
القَرْسُ والقِرْسُ( بفتح القاف وكسرها ) أَبْرَدُ الصَّقيع وأَكثره وأَشدُّ البَرْدِ قال أَوس بن حَجَر :
أَجاعِلَةً أُمَّ الحُصَيْنِ خَزايَـــــــــــــــــــــــــــــةً ***عَلَـــيَّ فِـــــــــرارِي أَن عَرَفْتُ بني عَـبْــس
ورَهْطَ أَبي شَهْمٍ وعَمْرَو بنَ عامِــرٍ*** وبَكْراً فجاشَتْ من لقائِهمْ نَفْسي
مَطاعِينُ في الهَيْجا مَطاعيمُ للْقِرَى*** إِذا اصْفَرَّ آفاقُ السماء من القَرْسِ
و المَطاعين جمع مِطْعانٍ للكثير الطَعْن ومَطاعيمُ جمع مِطْعام للكثير الإِطعام ، والقِرَى الضيافة، والآفاق النواحي واحدها أُفُق وأُفُقُ السماء ناحيتها المتصلة بالأَرض ، وقَرَسَ الماءَ يَقْرِسُ قَرْساً فهو قَرِيسٌ جَمَدَ وقولهم :قَرَّسْناه وأَقْرَسْناه بَرَّدْناه ،ويقال قَرَّسْت الماء في الشَّنِّ إِذا بَرَّدْته وأَصبح الماء اليوم قَرِيساًوقارساً أَي جامداً ،ومنه قيل سمك قَرِيسٌ وهو أَن يُطْبخ ثم يُتَّخذ له صِباغ فَيُتْرَك فيه حتى يَجْمُد ، ويوم قارسٌ بارد . وفي الحديث أَن قوماً مَرُّوا بشَجَرَة فأَكلوا منها فكأَنما مرَّت بِهمْ رِيح فأَخْمَدَتْهم فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم قَرِّسُوا الماءَ في الشِّنانِ وصُبُّوه عليهم فيما بين الأَذَانَيْنِ ( قاله أَبو عبيد) يعني بَرّدُوه في الأَسْقِيَة وفيه لغتان القَرْس والقَرْش قال وهذا بالسين . وقَرَس الرجل قَرْساً بَرَدَ وأَقْرَسَه البَرْدُ وقَرَّسَه تَقْريساً ، والبَرْدُ اليَوْمَ قارِس وقَرِيس (ولا تقل قارصٌ) ، قال العجاج :
تَقْذِفُنا بالقَرْسِ بعدَ القَرْسِ*** دُونَ ظِهارِ اللِّبْسِ بعد اللِّبْسِ
قال : وقد قَرَسَ المَقْرُور إِذا لم يستطع عملاً بيده من شدة الخَصَر ، ويقولون : إِنَّ لَيْلَتَنا لقارِسَةٌ وإِنَّ يَوْمَنا لقارسٌ ( قاله ابن السِّكِّيت ) هو القِرْقِس الذي تقوله العامَّة الجِرْجِس (1) ، وليست ذات قَرْسٍ أَي بَرْد وقَرَسَ البَرْدُ يَقْرِس قَرْساً اشتدّ وفيه لغة أُخرى قَرِسَ قَرَساً ، قال أَبو زيد الطائي :
وقد تَصلَّيْتُ حَرَّ حَرْبهِم ***كما تَصلَّى المَقْرُورُ من قَرَسِ
أما ( قـارص \ بالصاد ) فمن الجذر الثلاثي ( ق ر ص ) وهو مختلف ..
جاء في الحديث الشريف "أَنَّ امْرَأَة قيس بن محصن سأَلتْه عن دَمِ المَحيض فقال قَرِّصِيه بالمــــــاء " ، ( هذه رواية الهروي وقال غيره : " اقرصيه " وهي الرواية الأشهر ) فإِنه ( أي القرص ) بالصاد يقول: اقرصيه أي قَطِّعِيه ،، وجاء في حديث آخر: حُتِّيه ( من الْحّـتّ) بضِلَعٍ واقْرُصيه بماء وسدر؛ القَرْصُ: الدَّلْكُ بأَطراف الأَصابع والأَظفارِ مع صب الماء عليه حتى يذهب أَثره، والتقْرِيصُ مثله. قال: قَرَصْتُه وقَرّصْتُه وهو أَبلغ في غَسْل الدم من غسله بجميع اليد. وهكذا فكل مُقَطَّع مُقَرَّص ومنه تقريص العجين إِذا شُنِّقَ ( قُـطِّـع) لِيُبْسَطَ ، وواحدته( قرص)، أو كما يقول العوام ( قُـرّاصـة) وإنما هي ( قُـرْصَـة ) . ويقال للمرأَة: قَرِّصي العجين أَي سويه قِرَص.
وقَرَّصَ العجين: قطعه ليبسطه قُرْصَةً قُرْصَة، والتشديد للتكثير .
وقد يقولون للصغيرة جدّاً: قُرْصة واحدة، قال: والتذكير أَكثر، قال : وكلما أَخذت شيئاً بين شيئين أَو قطعته ، فقد قَرَّصْته ، والقُرْصةُ والقُرْصُ: القطعة منه، والجمع أَقْراصٌ وقِرَصةٌ وقِراصٌ .
وقَرَصَت المرأَة العَجينَ تَقْرصُهُ قَرْصاً وقَرّصَته تَقْريصاً أَي قَطّعَتْه قُرْصَة قُرْصة .
مادة ( ق ر ص ) ، بالأصــل الجذوري عند العرب جاء فيها قول المعجميين :
القَرْص بالأُصبعين، وقيل: القَرْص التَّجْمِيشُ والغَمْز بالأُصبع حتى تُؤْلمه، قرَصَه يَقْرُصه، بالضم، قَرْصاً.
وقَرْصُ البراغيثِ: لَسْعُها.
ويقال مثلاً: قَرَصَه بلسانه.
والقارِصةُ الكلمةُ المؤْذية؛ قال الفرزدق: قوارِصُ تَأْتِيني وتَحْتَقِرونَها، وقد يَمْلأُ القَطْرُ الإِناءَ فَيُفْعَم وقال الليث: القَرْصُ باللسان والأُصبع. يقال: لا يزال تَقْرُصُني منه قارِصةٌ أَي كلمة مؤذية. قال: والقَرْص بالأَصابع قَبْضٌ على الجلد بأُصبعين حتى يُؤلَم.
وفي حديث عليّ: أَنه قَضى في القارِصة والقامِصَة والواقِصَة بالدِّيَة أَثلاثاً؛ هن ثلاثُ جوارٍ كُنّ يلْعَبْن فتراكَبْنَ، فقَرَصَت السُّفْلى الوُسْطى فقَمَصَت، فسَقَطت العُلْيا فوَقَصَت عُنُقَها، فجعلَ ثلثي الدية على الثِّنْثَيْن وأَسْقَطَ ثُلُثَ العُلْيا لأَنها أَعانَت على نفسِها؛ جعل الزمخشري هذا الحديث مرفوعاً وهو من كلام علي. القارِصةُ: اسمُ فاعلة من القَرْص بالأَصابع.
وشراب قارِصٌ: يَحْذي اللسانَ، قَرَصَ يَقْرُص قَرْصاً.
وقال ابن منظور : القارِصُ الحامِض من أَلْبان الإِبل خاصة ، قلنا : بل الألبان جميعها من الإبل وغيرهـا .
فإذا زادت حموضة اللبن وصار يقبض اللسان وبطانة الفم قالوا ( لبن قارص \ بالصاد ) .
ونحن لا يفوتنا التذكير بقاعدة تعاور أحرف الصفير ( ز س ص ) التي نعرفها ، وبناء عليها يجوز أن نقول هنا (قارس) و(قارص) !!!
الواقع لا تتعاور أحرف الصفير على إطلاق التعاور ، وإنما التعاور يكون إذا لم يكن للمفردة ( اللفظة \ الجذر ) معنى مستقلا ... وهنا : (قرز ) ، ( قرس) ، ( قرص) ، ثلاثة جذور مستقلة فلا يكون التعاور هنا مستساغـاً . إلا أن التعاور قائم بين ( ق ر ز ) وبين ( ق ر ص ) ، وتأمل ما يقوله ابن منظور في اللسان ، والفيروزابادي في القاموس المحيط عن ( ق ر ز ) :
القَرْزُ: قَبْضُك الترابَ وغيره بأَطراف أَصابعك نحو القَبْضِ . قال أَبو منصور( الثعالبي ): كأَنَّ القَرْزَ مبدلٌ من القَرْصِ. فاجتمع فيه معنى القرص فجاز تعاور الزاي مع الصاد ، وقال الزمخشري صاحب أساس البلاغة (2\69) : قرصه البرد وبرد قارس أو قارص بمعنى بّـرَّدَه حتى صار يقرص ببرده ، فكأنه أجاز التعاور بين السين والصاد هنا ، والله أعلم ...
حاشــيــة :
(1)القِرْقِسُ: البَعُوض، وقيل: البَقُّ ، والقِرْقِسُ الذي يقال له الجِرْجِس شَبْه البَقّ؛ قال :
فلَيْت الأَفـاعِـيَّ يَعْـضُضْنَـنـا،*** مـكان البَـراغـيـث والقِـرْقِــس
وفي حوران غربي مدينة جاسم ، قرية جميلة صغيرة تُسـمّـى " قرقـس" ، ويلفظها العامة " جرجس" بالجيم ظنا منهم أن قلبهم القاف جيما أمر وارد ، وإنما فعلوه درءاً لمظنة ( الجرجس غير العربية ) ،وعلى التحقيق هي " جِـرْجـس " بالجيم وليس القاف ، وتعني الورقة أو الصحيفة البيضاء الصغيرة ، فهي عربية فصيحة .
وقال الجوهري: الجِرْجِسُ لغة في الفِرْقِسِ، وهو البعوض الصِّغار؛ قال شُريح ابنُ جَوَّاس الكلبي :
لَبِيضٌ بِنَجْـدٍ لم يَبِتْنَ نَواطِــراً ***بِزَرْعٍ، ولم يَدْرُجْ عليهن جِــرْجِــسُ
أَحَبُّ إِلينا من سَـواكِن قَرْيَــــةٍ*** مُثَـجَّـلَـــةٍ، دايــــــاتُهـــــــا تَـتَـكَدَّسُ
وجِرْجِيسُ: اسم نَبيّ ، كما هو معلوم لدى النصارى .
والجِرْجِسُ الصَّحِيفَةُ بالعربية الفصحى كما قدّمْـنــا ؛ قال الشاعر :
تَرى أَثَـرَ القَـرْحِ في نَفْسِـــه ***كَنَقْشِ الخَـواتِـيـمِ في الجِـرْجِـسِ