سيدة الأعمال السعودية التي حققت نجاحا مثّل أنموذجا فارقا في عالم المال والأعمال على مستوى المملكة العربية السعودية والعالم العربي والغربي، لبنى العليّان إحدى أكبر أثرياء العالم، لم تتحدث عنها الصحف كإحدى أثرى النساء فقط، بل انتقتها مجلات متخصصة لتحتل مراتب متقدمة في قائمات النساء الأكثر تأثيرا ونجاحا في العالم.
شهرة لبنى العليّان لم تكن بسبب ما ورثته من مال وشركات عن والدها، بل لحبها للعمل وكفاحها وإصرارها على مواصلة طريق النجاح الذي استهله والدها، وسعيها الدائم والمتواصل لخدمة عائلتها والمساهمة في بناء اقتصاد بلادها ولرسم صورة للمرأة السعودية القادرة على خوض غمار الحياة الاقتصادية بكفاءة وعلى إثبات قدرتها على منافسة الرجال وحتى التفوق عليهم في عالم الأعمال والاستثمار، الأمر الذي جعلها من أشهر سيدات الأعمال السعوديات والعربيات.
ولدت لبنى العليّان في القصيم بالمملكة العربية السعودية عام 1956، وهي الابنة الصغرى لرجل الأعمال السعودي سليمان العليّان، استهلت مسيرتها التعليمية ببيروت حيث انتقلت العائلة لتعيش هناك تبعا لمتطلبات عمل الأب، وواصلت دراستها في بيروت حتى سنتها الجامعية الأولى ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة الأميركية لتحصل على شهادة جامعية في الهندسة الزراعية من جامعة كورنيل في نيويورك، ومن ثم تحصلت على الماجستير في المالية من جامعة أنديانا الأميركية.
وبعد تخرجها دخلت مجال العمل في عالم المال والبنوك، وكانت أول وظيفة لها في بنك (مورغن غارنت) بنيويورك من عام 1979 إلى عام 1981، وبعد ذلك تزوجت وعادت إلى الرياض عام 1983، وهناك بدأت مسيرة العمل في مجموعة والدها، وبعد تخلي أحد مساعديه عن منصبه، حلت لبنى العليّان مكانه بتشجيع من والدها وإحاطة منه حيث صقلت شخصية سيدة الأعمال وتعلمت من نجاح والدها الكثير من الخبرات، وبعد ست سنوات في منصب المساعد، ارتأى الوالد أنها اكتسبت من الخبرة ما يمكنها من تحمل مسؤولية إدارة شركة العليّان المالية، فسلمها منصب الرئيس التنفيذي لتكون بذلك أول امرأة سعودية تصل إلى هذا المنصب الإداري الرفيع في المملكة.
وعُرفت لبنى العليان في المملكة وفي العالم بفطنتها في مجال الأعمال وتفانيها في العمل وتمسكها بتحقيق أهدافها، ومن خلال منصبها كرئيس تنفيذي لشركة العليّان أصبحت تشرف على حوالي أربعين شركة تابعة للمجموعة داخل السعودية وخارجها، وتقود شركاتها من نجاح إلى لآخر بالتعاون مع بقية أفراد العائلة فأخوها الأكبر خالد العليان يشتغل في إدارة المجموعة بالرياض وشقيقتاها حذام وحياة، الأولى تدير مكتب نيويورك، والثانية تدير مكتب لندن.
ولعل الشقيقة الصغرى لبنى كانت أشجع الأخوات الثلاث حيث تحدت ووالدها تقاليد المجتمع الذي لا يقبل بسهولة عمل المرأة، فكان عملها وتوليها مناصب رفيعة أول وجوه القوة والتحدي الباديين في ملامح وتقاسيم وجهها، كما أن إيمانها ووالدها بأن التفوق في العلم والعمل لا يخضعان لمقياس النوع الاجتماعي بل للكفاءة والفطنة والعزم على المثابرة لتحقيق الأهداف، وهو ما جعلها قادرة على حمل مشعل النجاح لشركات الأسرة وفتح آفاق العمل للمرأة العربية والسعودية خصوصا.
وتمتعت لبنى بدعم قوي من والدها، وكم كان مستغربا في ذاك الوقت الذي لم يكن من المتعارف عليه عمل المرأة في القطاع الخاص وخاصة إدارة الشركات أن تجد لبنى وأخواتها يقمن بمهام معقدة في بلد لم تنطلق المرأة فيه آنذاك إلى رحاب الأعمال الحرة والمستقلة.
وخلال مشوارها المهني حصدت العليّان مجموعة هامة من الجوائز والأوسمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، فازت عام 2004 بجائزتين للإنجاز في حقل الأعمال؛ الأولى تسلمتها في نيويورك من جمعية المصرفيين العرب في أميركا الشمالية، وقبلها بيومين حظيت بلقب “سيدة الأعمال لعام 2004 ” في حفل تسليم جوائز الإنجاز في حقل الأعمال العربي في دبي.
وتم اختيارها من قبل مجلة “أرابيان بيزنس ” الاقتصادية كثاني أقوى شخصية نسائية عام 2011 ضمن قائمة أقوى 100 سيدة عربية، وحظيت بالوسام الملكي السويدي للنجم القطبي من الطبقة الأولى من قبل ملك السويد كارل السادس عشر غوستاف عام 2012، وذلك نظير الجهود التي بذلتها في تعزيز العلاقات بين المملكة العربية السعودية والسويد، كما أشاد السفير السويدي بجهودها في مجالات العمل الخيري والتطوعي، منوّها بما تقوم به في مجال تنمية المجتمع المدني وتشجيع المبادرات التي تهدف إلى تطوير التعليم وزيادة فرص العمل في المملكة والعالم العربي من خلال مشاركتها الفعالة في منظمات مثل “الفنار”، و”مؤسسة الفكر العربي” و”منظمة متلازمة داوني الخيرية”، وكذلك تعاونها المثمر مع عدة مؤسسات أكاديمية مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، وكلية إدارة الأعمال الدولية (إنسيد)، وكلية عفّت للمرأة. وكانت بذلك أول امرأة سعودية تفوز بهذا الوسام الملكي وتاسع شخصية سعودية تحصل عليه بعد ثلاثة وعشرين عاما من حصول والدها عليه عام 1988.
وفي عام 2005 اختارتها مجلة “تايم” البريطانية كواحدة من أكثر مائة شخص في العالم نفوذا، واختارتها مجلة “فوربس ” لعدة سنوات في مراتب متقدمة ضمن قائمة الـ 100 سيدة من أكثر النساء تأثيرا في العالم، وهذه السنة احتلت المرتبة الثانية في هذه القائمة، فكانت بهذه التكريمات مثال المكافحات والناجحات واللبنة الأولى لمفهوم سيدة الأعمال السعودية، وهي تتحمل مجموعة من المسؤوليات الرفيعة في أكبر المؤسسات إلى جانب منصب الرئيس التنفيذي الأعلى لشركة العليّان المالية.
كما أنها عضو في اللجنة التنفيذية للمجلس العربي للأعمال، المنبثق عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وأمينة مؤسسة الفكر العربي، وتشارك كعضو في مجالس إدارة شركات مختلفة حول العالم منها على سبيل المثال: مديرة غير تنفيذية في شركة دبليو بي بي العالمية للإعلانات والعلاقات العامة، وعضو في مدرسة الاقتصاد القيادية في أوروبا (إنسيد)، ومنذ عام 2004 أصبحت العليّان عضو مجلس إدارة في البنك السعودي الهولندي، وهي مرة أخرى أول امرأة سعودية تصل إلى هذا المنصب.
لكن لبنى العليّان سيدة الأعمال المتميزة في السعودية تتمتع بجانب آخر لشخصيتها يتجاوز القيام بالأعمال الناجحة؛ فهي تهتم بتمكين المرأة من خلال عملها مع المنظمات غير الحكومية ودعمها ودعم الأعمال الخيرية والفئات الفقيرة وأيضا تشجيع الفئات الاجتماعية الأقل حظا ماديا على النجاح في الاستثمار والعمل بما يخدم اقتصاد البلاد، وهي تحاول أن تكرس بعضا من وقتها لبناء مجتمعها من خلال العمل مع المنظمات الشعبية في جميع أنحاء العالم العربي.
وعن ذلك تقول: “تستطيع المنظمات ذات الجذور الشعبية أن تتطرق إلى القضايا الاجتماعية والقضايا المحرّمة بطرق من المستحيل على شركات الأعمال التعاطي معها، هذا هو دورها، وليس لها نفس المصالح مثل شركات الأعمال، كما يتوفر لهذه المنظمات الوقت والطاقة للتركيز على قضايا رئيسية لا تستطيع شركات الأعمال معالجتها سوى هامشيا”.
وتدرك حاملة شهادة الهندسة الزراعية وماجستير إدارة الأعمال لبنى العليّان، قيمة التعليم جيدا لذلك ما تنفك تؤكد على أهميته في حياة الإنسان وتلح على ضرورته لكل الشرائح الاجتماعية خاصة للمرأة التي لازالت تحرم منه في عديد البلدان العربية، وتقديرا لجهودها قامت مؤسسات تعليمية عديدة بتكريمها، وكانت جامعة كورنيل التي تخرجت منها عام 1977 قد منحتها لقب “رائدة الأعمال لسنة 2010 ”.
وتنشط العليّان في تطوير التعليم بالمملكة العربية السعودية، وبحكم عملها في الفريق الاستشاري في مجلس إدارة جامعة “عفّت”، وهي مؤسسة تعليمية للنساء في المملكة العربية السعودية، وتؤكد بأن “التعليم يشكل الدافع المنفرد الأكثر أهمية لتحسين المجتمع في المملكة العربية السعودية، كما هو الأمر في أي مكان آخر من العالم”. كما تدعو العليّان دوما لمزيد جذب عدد أكبر من النساء إلى مواقع العمل. وخلال مناقشات في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في سويسرا عام 2005، حضرت العليّان كعضو في مجلس إدارة الكلية الدولية للدراسات العليا في إدارة الأعمال (إنسيد)، وتحدثت عن تقدم النساء السعوديات في مجال الأعمال وأوضحت أنها تعتبر أن عمل المرأة والرجل سوية يشكل وصفة ناجحة، وقالت: “إنك تحتاج إلى يدين للتصفيق.. وهذا تدرج طبيعي وعملية طبيعية لبناء أي مجتمع ”.
واعتبرت أن الفصل بين الجنسين في بعض ممارسات الأعمال أدى إلى تمكين النساء السعوديات، وشرحت قائلة: “نعم، في بادئ الأمر، فتحت الخدمات المخصصة للنساء فقط الأبواب أمام النساء لمشاركة أكبر في الحياة الاقتصادية للبلاد”، واستطردت تقول “ولكن مستقبلا، يمكن للمرء أن يأمل عدم استمرار ذلك الفصل”.
وقد أنشأت عام 2004 برنامج العليّان للعمل الوطني النسائي للتوظيف والتطوير “أون وورد” (ONWARD) بهدف زيادة عدد المهنيات اللواتي لا يشكلن سوى نسبة ضئيلة من إجمالي القوى العاملة في المملكة العربية السعودية، ويقبل البرنامج المنتسبات إليه ويدربهن على المهارات التي يمكن استخدامها في نطاق واسع من المهن، كما أن معظم المنتسبات للبرنامج هن خريجات جامعيات، ويعمل البرنامج على إعدادهن لتولي مناصب قيادية تنفيذية في المستقبل.
ولم تكتف العليّان بذلك بل فتحت مجموعتها التجارية أمام المرأة السعودية وبإشراف منها جعلت لهن مكانة جيدة وتأثيرا في القرارات الصعبة، وتقول “تاليا” وهي إحدى طالبات جامعة براون الأميركية إنها اقتربت من لبنى وعملت معها في مشاريع عديدة وأنها تعلمت الكثير منها ولفت نظرها مطالبتها العاملات معها على الثقة بأنفسهن والخروج من التفكير الرتيب والطموح إلى ما هو أعلى.
وتضيف تاليا: “لاحظت على السيدة لبنى أنها تملك مقدرة عجيبة على إبراز ثقتها في نفسها وإخفائها لعواطفها”، ولا تنسى تاليا أن السيدة لبنى تردد “لكي تقود الآخرين سِرْ بجوارهم”.
وتقول العليّان: “يتمثل أحد المفاتيح الرئيسية لنجاح أية امرأة في قطاع الأعمال في المملكة العربية السعودية في تأمين حصولها على الفرصة المتساوية للتمكن من المساهمة والمشاركة في التنمية الاقتصادية للبلاد”.
وتقول لبنى العليّان، الأم لثلاث بنات، “إن استقرار المجتمع مرتبط بتعليم المرأة السعودية وتدريبها، وأن التحديات في مجال العمل ما تزال قائمة بوجه النساء السعوديات، رغم التوجه الحكومي المشجع على عملهن فلا بد أن تتفاعل المؤسسات والمجتمع مع المرأة لتدعم تواجدها بجانب الرجل في مجالات العمل، وتعتز كسيدة أعمال ناجحة بدعم الرجل لها في مسيرتها”. وتضيف قائلة:” أنا محظوظة للعب الرجل دورا خاصا في حياتي، فهناك ثلاثة رجال أثّروا في حياتي، والدي رحمه الله، وزوجي، وشقيقي الأكبر خالد”.
وعن دعمها للمرأة ومطالبتها بتواجد النساء السعوديات في المناصب العليا تقول لبنى في لقاء لها مع إحدى الصحف: “أرجو ألا يُساء فهمي، أنا لست امرأة متشددة، ولست من دعاة تعيين النساء في المناصب بشكل مصطنع، لكنني من دعاة نظام محايد فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي، أي نظام حقيقي للجدارة والاستحقاق يمكّن الشخص المناسب من شغل المكان المناسب وللأسباب المناسبة، بغض النظر عن الجنس".
هذا ولعل ما قدمته لبنى العليّان طيلة مسيرتها في العمل بأصعب المجالات الاقتصادية مثل إدارة الشركات والاستثمارات المالية الكبرى، يكون أبرز برهان على كفاءة المرأة في مجال العمل، ويمكن أن نقر بأن العليّان رائدة سيدات الأعمال السعوديات قد فسحت المجال في عالم الأعمال للنساء وجعلت الأفق رحبا أمام المرأة العربية لتحقيق ذاتها وآمالها عن طريق العمل بغرض التحقيق الفعلي للمساواة مع الرجل.
العرب