الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

إشراقات حضارية ذات جذورعربية

  • 1/2
  • 2/2

الدكتور محمد فتحي راشد الحريري - الإمارات العربية المتحدة- خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

كثير من الاختراعات المنتشرة في عالمنا المعاصر لها قوّة تـأثير في مسار الحياة المدنية ، وكثير من الرموز  لها دلالات  تسهل كثيراً من الاستعمالات الحضارية في الحياة ، ونحن نمارس ونستعمل  هذه  الاختراعات  دون أن يخطر ببالنا أن نبحث عن  الجذور والمكتشف الأول ، قد نعرف ماذا يحل بالحياة المدنية إذا لم تكن هذه الأمــور موجودة ، ولكننا  لا نعرف مَنْ أول من أشــار إليها أو استعملها ، أو اخترعـهـا . وسوف أتناول في هذه العُـجـالة ثلاثــة رموز يشيع انتشارهـا في الحياة المدنية المعاصـرة بكثرة ، وهي رموز مهمة جدا للإنسان المتحضر في حياته العملية وممارساته المدنية ، ولا يفطن كثيرون رغم تداولهم لهذه الرموز إلى البحث عمن اخترعـهـا ، أو استذكار مكتشفها وأول من استعملهـا :
*أول هذه الممارسات مصطلح ، كلمة المرور أو كلمة السر ( الكود ) وهي تشكيلة من الحروف الأبجدية والأرقام والرموز الأخرى تُمَكِّـنُ مَنْ يعرفها من الوصول ، أو استعمال مورد أو خدمة محمية ( مثل حساب مصرفي أو اليكتروني أو مفتاح خزنة أو دخول مجمع عسكري أو ..... ) . ومن الضروري عدم إفشاء كلمة السر لتفادي وقوعهـا بين أيدي أشخاص آخرين فتفتح لهم الباب إلى ما لم يكن بوسعهم الوصول إليه بدونهــا .
وتقنيّـاً ، تعتبر كلمة السر من وسائل الحماية الضعيفة مقارنة مع وسائل أخرى أفرزها العقل البشري .
وتراثيا ( ولنقل جذوريّــاً ) ، عند تناول موضوع كلمة المرور تتبادر للذهن من أول لحظـة عبارة ، أو مصطلح "افتح يا سمسم" ، وهي أول كلمة مرور خـلَّـدهـا التاريخ ، إنها كلمة المرور التي وردت في قصة  (علي بابا والأربعين حرامي (إحدى أشهر قصص ألف ليلة وليلة المشهورة في تراثنا العربي . وما كانت مغارة علي بابا لتفتح دون كلمة السر ..
ولازالت كلمة السر ( الكود \ المفتاح السري ....) تتطور يوما بعد يوم بتطور الحياة المدنية ، ولكن الفضل يبقى لأول من استعملها حتى ولو بالخيال ، إنهم أجدادنــا العرب .
*ومن الرموز المعاصرة المتداولة في عالمنا ، رفع إبهام اليد وقبض سائر الأصابع ، في إشارةٍ إلى الثناء على عمل أو تصويبه والإشادة به ، ونقصد هذه الإشارة ( ) -للدلالة على استحسان شيء والإعجاب به-  وهي إشـارة عربية سداة ولحمة ، وبتعبير آخر هي إشارة عربيّــة سلفية أثرية  !
ففي تاريخ ابن معين -رواية الدوري- (٦٠/3)، برقم: (231) : 《سمعت العباس يقول : سمعت أحمد بن حنبل - وسئل وهو على باب أبى النضر هاشم بن القاسم - فقيل له :
يا أبا عبد الله ، ما تقول في موسى بن عبيدة الربذي ، وفي محمد بن إسحاق ؟ فقال :
أما محمد بن إسحاق فهو رجل تكتب عنه هذه الأحاديث ؛ - كأنه يعنى : المغازي ونحوها - ، وأما موسى بن عبيدة فلم يكن به بأس ، ولكنه حدث بأحاديث مناكير عن عبد الله بن دينار، عن بن عمر ، عن النبي
     ﷺ   فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا - وقبض أبو الفضل على أصابع يديه الأربع من كل يد ولم يضم الإبهام وأرانا أبو الفضل يديه وأرانا أبو العباس -》 اهـ.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي الأعظم سيدنا محمد ﷺقال في حديث معروف عند الباحثين  الأصوليين وعلماء المصطلح :
(( .... فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا -وقبض أبو الفضل على أصابع يديه الأربع من كل يد ولم يضم الإبهام ( ) وأرانا أبو الفضل يديه وأرانا أبو العباس )) .
وقال في موضع آخر  (274/3) برقم (1161) : ((... فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا ؛ قال الإمام أحمد بن حنبل بيده، وضم يديه، وأقام أصابعه الإبهامين( ) ))  اهـ (1) .
*والرمز الثالث ، إنما هو في الواقع مجموعة من الرموز المستعملة لدى العميان ، وتسمى طريقة  برايل في كتابة المكفوفين ، وهي منسوبة إلى الأوروبي " لويس برايل " ، وتعتمد الطريقة على حروف نافرة أو نغزات يحدثها الأعمى في الورق بواسطة دبوس خاص فتبرز من الوجه الآخر للورقة نتوءاً ، يتلمسه الأعمى بأصابعه ، فيقرأ بأنامله ،  والمعروف المتداول أن أول من اخترع طريقة تعلم العميان والمكفوفين هو الفرنسي  (المخترع لويس بريـل 1809 ـ 1852) ، إلا أننا نجد الإمام أبو محمد بن حزم الظاهري (2) الأندلسي  رحمه الله ( 384 – 456 هـ ) يحدثنا كيف كان الناس في الأندلس وكيف كان والد مؤدبه أحمد بن محمد بن عبد الوارث يعلم مولودا له ، حيث يقول  :
"ولقد أخبرني مُؤَدبي أحمدُ بن محـمد بن عبد الوارث(3) ـ رحمه الله ــ أن أباه صــوَّر لمولودٍ  ، كان له أعمى ، وُلــد أكمـه فصوّر له حروف الهجاء أجراماً من قير ثم ألمسه إياها حتى وقف على صورها بعقله وحســه ، ثم ألمسه تراكيبها وقيام الأشياء منها حتى تشكل الخط ، وكيف يستبان الكتاب ، ويقرأ في نفســه ، ورفع بذلك عنه غـمّـةً عظيمــة اهـ . (التقريب لحد المنطق..) (ص 596 ـ التركماني) ..
وفي مقدمة كتاب ( نّكْت الهَمْيان في نُكَت العميان) يطالعنا المحقق بقصة رائعة عن أعمى عربي ، كان يمارس مهنة الوراقة ( بيع الكتب ) ولا يجد صعوبة في الاستدلال على موضع الكتاب في دكانه ، وثمنه وذلك أنه كان يصنع فتائل ورقية يصنعها بعناية وتقنية خاصة ، يضعها على الرفوف تشير إلى سعر الكتاب ومعلوماتٍ أخرى ، ونرى كما يرى كلُّ باحثٍ عاقل منصف أن هذين الاختراعين العربيين كانا المقدّمـة الأولـى لطريقة بريل في تعليم الكتابة والقراءة للمكفوفين ...
 < لوحة برايل     < القراءة حسب برايل
يتبع الحاشية :______________
(1)- وينظر: تهذيب الكمال (109/29)، وتهذيب التهذيب (358/10).
(2)- يعد من أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبري ، وهو إمام حافظ . فقيه ظاهري، ، بل محيي المذهب الظاهري بعد زواله في الشرق. ومتكلم، أديب، وشاعر، ونسابة ، وعالم برجال الحديث ، وناقد محلل، بل وصفه البعض بالفيلسوف. وزير سياسي لبني أمية ، سلك طريقة نبذ التقليد وتحرير الأتباع . قامت عليه جماعة من المالكية وشُـرِّد عن وطنه. .
(3)-( ذكــره الحميدي(ت 488 هـ ) في كتابه "جذوة  المقتبس" 1/ 158 رقم (180)، وقال : كان من أهل الأدب والفضـل وأخبرني أبو محمد (ابن حزم):أنه كان معلمه وأخبر انه رأى يحيى بن مالك بن عائذ وهو شيخ كبير يُهادى للمسجد وقد دخل والصلاة تقام فأنشد :
يا ربِّ لا تسْلُبَـنّـي حبّـهــا أبـدا***ويـرحـم الله عبداً قـال آمينـــا
قال : فلم أشك أنه يريـد الصلاة . (دار الغرب الاسلامي ط\ 1 عام2008م )

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى