عانقته و تمنت له الحظ الطيب ، و أكدت على أمنياتها له بالسعادة الزوجية و قالت : أنا في الحقيقة معجبة بك و وبوجهك الجميل ... أمسكت يده و أكملت قولها : و بكبريائي معجبة أكثر و بحظي القليل و لكنني أيها الأسمر لا أقبل بدور البديل ، حظا طيبا . أدارت وجهها لتحول مسار قبلة كان مآلها شفتيها ، نحو خدها و استجمعت روحها الرياضية و كل مرحها الطفولي و مسكت يده قائلة : للجميلات أدوار البطولة . أشرق وجهها كاشراقة كولونيل في الجيش الوطني وهو ينتصر على الإرهاب ، بانت السعادة على مقلتيها و كأنها تلقت خبر تتويج بملكة جمال العالم ... هل فعلا هي سعيدة بإنهاء قصة حب وليدة زمن الإغتراب ؟ ألم تحدثه عند الصباح عن قصيدة "إني لا أؤمن في حب لا يحمل نزق الثوار ... لا يكسر كل الأسوار" ؟ ألم ترسل إليه على حسابه الفايس بوكي أغنية أهواك بلا أمل لفيروز . شخصيتك قوية أكثر مني و لا مجال لهزيمتك تحدث "هو" ليكسر حاجز الصمت الذي سيطر على الزمان و المكان ، ردت بمرح قائلة : أبدا يا صديقي ، هي مسالة خيارات و أنا تعودت بأدوار البطولة و منذ ولادتي كانت لي مقاعد الصدارة ، لا أعرف غرفة الانتظار سوى عند معايدة طبيب الأسرة و آنت لست بطبيب، أنت سيد الكلمات و سيد الحياة و فارس من عمق البادية . رد بكل قيافة : شكرا لذوقك ، و يسعدني أن أكون فارسك ... نظرت له بمكر و أخفت ضحكتها الساخرة ، فهي من تقول سرا بأن الفروسية في بلادها اسم لفرقة الفنون الشعبية تحضر استعراضها عند المهرجانات الصيفية ، و لأن الحياة علمتها الكثير من النفاق الاجتماعي وحديث الديبلوماسية الصفراء ، الأمر الذي جعلها تكتم ضحكتها بتعليق : شكرا لذوقك الرفيع ، أدام الله عزك. تبادلا المجاملات و الضحكات و أنهت عشاءها معه و هي تحدثه عن موقفها من الأحزاب الطائفية و من الإرهاب معربة عن قلقها عن مستقبل المنطقة. تحدثت عن مستقبل الشرق الأوسط بقلق و كأن مستقبلها ينعم بالسلام و بالورود الحمراء و لم تطله يد الزمان و لم تمسه لعنات الدهر و صفعات الزمن التي أخبرتها بها الخالة عائشة تلك درويشة التي تسكن هضبة مرتفعة في قرية أجدادها ، حين أوصتها بالابتعاد عن الرجال فطالعها الساطع قد يأفل بعشق رجل أسمر له لون وجهها القمحي . صورة الخالة عائشة لم تفارقها ، فتلك الدرويشة لم تغادر يوما الجبل حيث زوايا الأولياء و أخبار الجان و قصص السحرة و روايات عشاق المدينة ... فالخالة عائشة تدعو للعذراوات بالزواج و بالهناء و تحضر جميع الأفراح ... ومنذ الصغر كانت تتابع أخبارها ، إذ يقال أنها كانت جميلة و عشقها رجل من أهل الجان و هام بها في الجبل ثم حررها منه شيخ الزاوية القادرية و أصبحت الخالة عائشة خادمة لزاوية سيدي عبد القادر ، إمراة ذات مكانة و وقع في قلوب الجميع .غادرت المطعم ، و هي تتذكر الخالة عائشة التي ظهر طيفها فجأة حين أحست بصراع بين قلبها و عقلها و إغتالتها رائحة شانيل النابعة من فارسها المقابل .كانت صورة الدرويشة تزيدها أملا في المستقبل و تمنح قلبها المهتز السلام و الثقة ، فعائشة أوصتها بالاحتياط من ولد آدم و عدم التسليم لأهوائه و انتظار بشارة سيدي عبد القادر لتفرح مثل بقية النساء ، و هل من المنطقي بأن إمرة في مستوى فصاحة لسانها و نباهتها ستنتظر بشارة من ولي صالح ؟ و كيف ستأتي تلك البشارة ؟ و مع من ستحقق تلك الأمنية و هي ترصد كالصقر كل سكنات و همسات أي رجل يقترب منها؟ كيف ستبشر بحبيب و هي فاقت معلقي مباريات كرة القدم في تقديم ملاحظاتها عند كل موعد غرامي ، أي رجل سيصبر على امرأة ذكية و متحدثة لبقة ؟ حتى فعل الحزن و خبر وجود إمراة ثانية في حياة من تحب ، رجل مكتمل وقارا و رجولة تلقته بمضاد حيوي للصواعق ووجدت عنوانا للموقف المعقد الذي وقعت فيه : للجميلات أدوار البطولة ... عباره زادتها زهوا عند قولها و كأنها كانت أحد أباطرة العصر . من أين تأتي بهذه الثقة ؟ و من أين تأتي بهذه الفصاحة ؟ كلماتها كان وقعها كالجمار أمام من تحب ، ذلك الجريح بين إمرأتين ، بين زوجة شرعية و بين حبيبة تسكنه . حبيبة متمردة اغتالته و اقتحمت صدره ثم قررت لوحدها الرحيل عملا بقول كبريائها و عملا بقول عقلها الذي اخبرها انها ستخسر هذه المعركة لو استمرت معه و لو إنتظرت فرجا من رب العالمين ، عقلها أكد لها أن العذاب من اجل كبرياء الذات أفضل من عذاب من أجل متعة حب.أمسكت هاتفها و اتصلت بإحدى صديقاتها لتخبرها بانتهاء علاقتها و لتكابر أمامها بإنتصارتها و هي تصف حزن حبيبها قائلة :" لا أريد أن أكون رئيسا مؤقتا أريد أن أكون شرعية مثلها ، الشرعية من حقي ... " ، أغلقت الهاتف ، استلقت على الفراش و نظرت إلى سقف الغرفة انهمرت دموع لا تدري مقلتيها من أين جاءت ...و فتحت جهاز هاتفها ، كتبت على جدارها الفايسبوكي معلنة لمتابعيها : إنتظروا مقالي ليوم غد بعنوان : للجميلات أدوار البطولة .