الفقر حالة إنسانية موجودة منذ فجر البشرية وحتى يومنا هذا، ولا سبيل للقضاء عليه .. وقد تجد ملامح تلك القضية في كل مجتمع إنساني، لكن يمكن الحد منه وإيقاف تمدده، بل يمكننا تقليص الأعداد البشرية التي تعانيه. وبحق فإن ظاهرة الفقراء والمعدمين يمكنك ملاحظتها، خصوصاً في معظم العواصم والمدن الكبرى في مختلف أرجاء العالم، خصوصاً بعض البلدان الأوروبية، حيث تشاهد المشردين وهم يفترشون الأرض، ويلتحفون بضع كراتين لا تقيهم زمهرير الشتاء.
الفقر والعوز الإنساني يوجد لأسباب كثيرة، من هذه الأسباب ما تكون خارجة عن الإرادة، وفرضت على الفرد، وتكون هذه الظروف أقوى منه مثل الحروب والقتال، حيث يتم تشريد الآلاف نحو المجهول من دون مأوى، يبحثون عن لقمة تسد رمقهم مثل إخواننا في سوريا وغيرهم كثير في مواقع الصراعات والحروب الأهلية. لكن البعض من هذه الأسباب يعود على الفرد نفسه، وهذه الجزئية التي أريد الحديث عنها في هذا السياق.
حيث يوجد بيننا أشخاص غريبون بشكل تام واستهلاكيون بشكل مخيف جداً، على الرغم من أننا نعرف أن مواردهم المالية محدودة، أو كما يقال يعيشون على الراتب الشهري من وظيفة حكومية أو وظيفة في القطاع الخاص، وعلى الرغم من كل هذا لا تجد أن لديه رؤية للمستقبل أو برنامجاً للادخار، بل يعيش في فوضى تامة، يقترض مبالغ ضخمة تستقطع من مرتبه الشهري نحو النصف، ويقوم بدفع هذا المبلغ لشراء سيارة فارهة، وهو يسكن في منزل إيجارُه مرتفع، ويستخدم أيضاً بطاقة ائتمانية، ويدعو زملاءه والأصدقاء في مناسبات عشاء وغداء في مطاعم وفنادق كبيرة، ثم تتراكم عليه الالتزامات ويقف هذا الراتب عاجزاً عن تسديدها، ثم يبدأ بالقلق ويصاب بالاكتئاب والمرض، وقد يرتكب حماقة كالاعتداء على أحدهم بالضرب، فيدخل السجن، وتكون سابقة، ويتم فصله من وظيفته ويخرج وهو مكبل بالديون ومن دون دخل شهري.
هذا سيناريو تعمدت تأليفه حتى نصل جميعاً لفكرة كيف يوقع البعض أنفسهم في الفقر، ويتسببون لحياتهم بالتدهور والإفلاس والحاجة للآخرين، بسبب سياسات غير صحيحة. ويمكنكم تخيل عشرات العشرات من السيناريوهات والنماذج في هذا السياق.
ألم يتم ترديد «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب» على مسامعنا. وهي كلمات استهلاكية تنم عن سذاجة فادحة وتبذير غير مقبول لا يمكن تبريره، نحن مع الفقراء نمدّ لهم يد العون والمساعدة، بل نساعدهم ليساعدوا أنفسهم، لكننا لسنا معنيين بالمبذرين والمستهلكين وأصحاب المظاهر الجوفاء.