«المرأة المصرية».. زهور تفتحت فى ثورة 25 يناير لتفوح منها عطرا زكيا غطى ميادين المحروسة، ليكون حضورهن فى الصفوف الأمامية كتفا بكتف مع الرجال دون خوف أو تراجع، يواجهن القتل بقلوب لا تعرف للجبن طريق، رافضين الاستبداد والقمع.
توضح التقديرات أن نسبة النساء بين المتظاهرين فى ميدان التحرير خلال ثورة يناير، بلغت 40%، إضافة إلى الناشطات اللاتى شجعن التظاهر والاحتجاج، وإمداد المتظاهرين بالطعام والغطاء والمساعدة الطبية.
وكان من أبرز سمات الثورة المصرية، الحشد المتدرج للنساء اللاتى لم يشاركن من قبل فى السياسة أو النزول للشارع من أجل الاحتجاج، منتفضين من أجل مستقبل أفضل لمصر، فالثورة فى مصر غيرت فى تركيبة الحركة النسوية، وجعلتها أكثر التحاما مع الشارع بعد أن كانت حبيسة مكاتب مكيفة.
ورغم المشاركة العظيمة التى أشاد بها العالم أجمع للمصريات فى 25 يناير، وما دفعنه من فاتورة غالية، إلا أنهن واجهن تهميشا وإقصاء بعد تنحى الرئيس مبارك بوجه آخر، ففى ذروة الثورة، كان هناك ترحيب غير مسبوق بالنساء، لكن حال الإطاحة بالديكتاتور، واجهت المصريات جميع أشكال الإساءة مع حقبة جديدة مع المجلس العسكرى، يليها عام حكم جماعة الإخوان، لتحصل على بعض المكتسبات بعد ثورة 30 يونيو فى دستور 2014 كمواد على ورق لم تترجم على أرض الواقع، فظل العنف الجسدى الممارس ضدها حتى مع تولى المشير عبد الفتاح السيسى رئاسة الجمهورية.
شاركت راندا سامى، إحدى بطلات ميدان التحرير، منذ أول يوم فى ثورة 25 يناير، ودفعت الثمن غاليا، إلا أنها لم تيأس أو تستلم، رغم إصابتها بالشلل الرباعى الذى أقعدتها على كرسى متحرك، لكن تفاؤلها وإيمانها بالثورة والتغيير والأمل فى المستقبل الأفضل، دفعها للتغلب على المرض، حيث تسير بخطوات ثابتة للوقوف من جديد بصلابة وقوة وعزيمة على قدميها.
ثورة 25 يناير كسرت الصورة النمطية للست المصرية
تعرّضت “راندا” للإصابة خلال أحداث 28 يناير، فكانت في المستشفى الميداني تضمد جراح شاب عمره 17 عامًا، بعدما حاول ضابط أمن مركزي القبض على الشاب، فكادت تقبل قدمه كي يتركه، لكنه نهرها وشتمها وانهال ضربًا بعصا غليظة على ظهرها وعنقها حتى أصابها بالشلل الرباعى.
تقول “رندا” إن أهم مكتسبات ثورة 25 يناير، كسر الصورة النمطية للست المصرية التى ظلت على مدار عقود طويلة محبوسة خلف أبواب المنزل فقط، وإنكار حقوقها فى المشاركة السياسية، مؤكدة أن النساء شاركن بقوة ودفعن الثمن بالإصابة أو الاستشهاد، ومضيفة أنها شاهدت خلال 18 يوما زهورا مبهجة من فتيات البلد “الجدعان”، اللاتى وقفن كتفا بكتف مع الشباب، لافتة إلى مشهد دخول فتاة وسط الضرب المبرح فى ميدان التحرير، بالإضافة إلى شجاعة الفتيات ومبيتهن فى الميدان وتوزيعهن الطعام على المتظاهرين وتنظيفهن للحمامات العمومية وتنظيف الميدان.
وأوضحت “رندا” أن ثورة يناير ساهمت فى ولادتها من جديد، فلم تعد الأم التى تقلق على أبنائها، لكنها اكتسبت مزيدا من الإصرار والقوة فى المطالبة بحقوقها، حتى بعد إصابتها بشلل رباعى، مؤكدة – فى حزن- أن النظام ما بعد 30 يونيو، ضد ثورة يناير، والدليل اعتقاله لشباب الثورة والزج بهم فى السجون، والسماح للإعلام بالتشويه والتشهير بكل من ينتمى ليناير وتخوينه، وموضحة: «عندى يقين أن حقنا لسه مجاش، وعدالة الله نافذة، والأمل مازال قائما، ولن يهمنا حبس أو تشهير، فالقصاص المطلب الوحيد لثوار يناير، ولن نرضى عنه بديلا».
كشوف العذرية.. تفضح رأس السلطة
9 مارس 2011.. تاريخ أسود لكل امرأة مصرية، مسجل بالعار والخزى، عندما عاد المتظاهرون إلى ميدان التحرير لتجديد دعواتهم للحرية والعدالة والمساواة، فاعتقل الجيش عشرات النساء، وتعرضن فى المعتقلات إلى الضرب وإجبارهن على “فحوص العذرية”، كما تم تهديدهن بتوجيه اتهامات لهن بممارسة الدعارة إذا لم يكن عذارى.
ورغم الجريمة البشعة، لم تستلم الفتيات اللاتى تعرضن لهذا العنف الجنسى البغيض، ودافعن عن أنفسهن بكل قوة وتحدى لأفكار المجتمع وعاداته وتقاليده التى تجبر الفتيات على الصمت فى مثل هذه الحالات، وجاء دفاع الناشطة سميرة إبراهيم، عن نفسها فاضحا لعار المجتمع وخضوعه لمجموعة أفكار عاهرة، حيث تمكنت من الحصول على حكم قضائى يلزم القوات المسلحة بوقف هذه الممارسات المعادية للدستور.
تقول سميرة إبراهيم، إنه من المؤسف أن نستقبل الذكرى الرابعة لثورة يناير وشباب الثورة فى السجون، معربة عن حزنها لعدم ترجمة دستور 2014، مضيفة أن أكبر غلطة ارتكبها الثوار، اشتراكهم فى مهزلة تقديم مبارك للمحاكمة، متابعة: «لا يعقل أن يتم محاكمته بقوانينه التى فصلها طوال 30 عاما من حكمه، فكان يجب على الثوار أن يطالبوا بنفيه خارج البلد بعد التنحى أو تقديمه لمحاكم ثورية».
وأكدت أنها لن تيأس بالرغم من عودة الانتهاكات التى تمارسها وزارة الداخلية تجاه حقوق الإنسان فى مصر، لافتة إلى أن غياب الإرادة السياسية لإصلاح جهاز الداخلية، السبب وراء عودتها كما كانت قبل 25 يناير، ومشيرة إلى أن النساء قادرات على وقف العنف الجنسى، وخير دليل التصدى لما تعرضت له النساء منذ 2005 من خلال أول واقعة تحرش جنسى على سلالم نقابة الصحفيين، والتى نظمها بلطجية الحزب الوطنى والداخلية، ثم حادث كشوف العذرية 9 مارس 2011، وفى كلتا الواقعتين أدى فضح الانتهاكات إلى حصول النساء على حقهن بأحكام قضائية أدانت النظام الحاكم على هذه الممارسات.
وعن مطالب النساء خلال الفترة المقبلة، قالت: “انتهى عصر المطالبة، فالنساء عليهن ألا يقفن ضعيفات فى مطالباتهن لرئيس أو وزير، بل لديهن الدستور الذى اتخذ من المساواة بين الرجل والمراه قاعدة تبنى عليها كافة العلاقات الاجتماعية، وترجمة مواده إلى بنية تشريعية”.
ولم تكن كشوف العذرية الانتهاك الوحيد التى شهدته النساء خلال المرحلة الانتقالية، بل جأت واقعة “ست البنات” فى ميدان التحرير فى ديسمبر 2011، كالقنبلة المدوية على الرؤوس، حيث ظهر رجال الجيش يضربون فتاة ويجردونها من ملابسها، لتصبح هذه الصورة من رموز المرحلة الانتقالية التى أصابت الرأى العام المحلى والدولة بصدمة تناقلتها أغلفة المجلات والصحف.
أول انتخابات برلمانية بعد ثورة يناير.. إقصاء لأحلام النساء
لم يكن العنف الجنسى الوحيد الذى واجهته المصريات خلال المرحلة الانتقالية، بل واجهت عنفا سياسيا من إقصاء وتهميش وغلق كل المنافذ المؤدية لتفعيل مشاركتها السياسية وفرصها فى الترشح لأول برلمان بعد الثورة، حيث كانت أولى الخطوات التى قامت بها السلطة التنفيذية من المجلس العسكرى آنذاك وبعد استفتاء مارس 2011 التى غابت عن صياغته النساء تماما، إلغاء الكوتة المخصصة للنساء المرشحات، فترشحت 376 سيدة، فازت منهن 9 من مجموع 508 عضوا فى المجلس، مقارنة بـ 64 امرأة فى آخر انتخابات برلمانية لعام 2010.
وتسبب فى الهبوط المريع لتمثيل النساء فى أول برلمان بعد ثورة يناير، إدراج قادة الأحزاب للنساء فى آخر قوائم الترشيحات، بحيث كانت فرصهن بالفوز شبة معدومة، بل وضعت الأحزاب الدينية وعلى رأسها “النور” صورة وردة بدلا من صورة السيدة المرشحة من منطلق أن “المرأة عورة”، وبعد الانتخابات البرلمانية فازت جماعة الإخوان والجماعات السلفية بأكثر من 70% من مقاعد البرلمان لعام 2012.
وللأسف جاء العدد القليل الممثل للنساء فى مجلس الشعب بكوارث أكبر مما كان متوقع، فكانوا مجموعة من النساء ينتمين إلى تيار الإسلام السياسى، وجاءوا بأفكار معادية للنساء فى الأصل وضد الحقوق والحريات، وعلى رأسهم عزة الجرف، مرشحة حزب الحرية والعدالة.