زواج الأزمات والمواسم ليس جديدا على السعوديين، ولا يمكن ــ في نفس الوقت ــ أن نعمم هذه النظرة على كل من يحمل الجنسية السعودية، ولست في مجال مناقشة أفكار؛ كالمجتمع المغلق والفصل بين الجنسين، واعتبارهما مفسرا لموضوع الجنسانية المسيطرة على عقول الناس في هذا البلد ــ بافتراض صحة هذا الكلام، ومناسبة السابق أن صحيفة «الحياة» نشرت في نسختها السعودية ليوم الثلاثاء 20 يناير 2015 إشارة صغيرة في صفحتها الأولى وتفصيلا في الرابعة لقضية من النوع الذي ذكرت، وكان موضوعها عن سمسرة الزواج من سوريات معظمهن قاصرات لا تتجاوز أعمارهن 17 عاما، في أحسن الأحوال، ولعل هذه المسألة ــ على وجه التحديد ــ تكررت منذ بداية الأزمة في سورية في منتصف مارس 2011، ولكنها ليست جديدة في شكلها العام، فقد كانت سورية دائما وجهة مفضلة لزواجات السعوديين، وبحسب إحصاءات نشرت في يناير 2001 أو قبل الأزمة بشهرين تقريبا، وجاءت على لسان السفير السعودي في سورية، فإن المعدل التقريبي لطلبات زواج السعوديين من سوريات وصل إلى سبعمائة طلب في السنة الواحدة، وبصورة ثابتة نسبيا في كل سنة، وأتوقع أن الوضع بعد الأزمة أصبح مفتوحا بصورة أكبر، وبالتأكيد العناوين الإنسانية قد تستغل لشرعنة الرغبة وتبريرها. من حيث المبدأ لا توجد موانع دينية ما دام الزواج شرعيا، ولا أرى مشكلة أخلاقية في تسويق الزواج من سوريات، لولا أن أسلوب الإعلان مستفز وفيه تسليع مبطن وتقليل مهين من قيمة المرأة، وهو في الحقيقة أقرب إلى العلاقة العابرة، وتحديد مبلغ ألفي ريال كقيمة للزواج من سورية لا يمكن أن يكون عادلا، ولا يحل أزمتها أو يساعدها، ويشبه ما تفعله جماعة داعش مع «السبايا» فيما يسمونه بـ«لواء الخنساء»، ولاحظت عدم وجود شروط حول مكان الإقامة وتكاليفها، وكأنه تقدير مسبق بأن عمر الزواج قصير وأهدافه معروفة، وأن «الشاليه» أو «الشقة المفروشة» أو «غرفة الفندق» تؤدي الغرض، ولا مقاربة بينه وبين المسيار؛ لأن المرأة في الثاني قادرة ومسؤولة عن نفسها ولا تحتاج إلى الزوج إلا في أمور معينة، وبالعودة إلى قوائم «أواصر» في أبريل 2014 أو الجمعية الخيـرية لرعاية الأسر السعودية في الخارج، سنجد أن العـــوائل من أم سورية تشكل نسبة مرتفعة جدا، مقارنة بعائلات مشابهة وموزعة على 31 دولة، ومعظمهم منقطعون يعانون من الفقر وسوء الأحوال المعيشيــة نتيجة لتهور غير محسوب، وتقدم «أواصر» مشكورة خدمات (ما بعد البيع) ــ إن جاز التعبير ــ وذلك بصرف إعانات مالية بسيطة وبطاقات زيارة مؤقتة للأم ولأبناء وبنات السعوديين.
في أزمة احتلال الكويت بداية التسعينات الميلادية، تناقل السعوديون أخبارا مهمة، وقالوا بأن هناك قرارات وزارية صدرت من جهات عليا في حكومة الكويت، وتناولت تعويض من لديهم مبالغ نقدية بالدينار الكويتي وبنفس قيمته السوقية قبل الأزمة، واتضح فيما بعد أن القرارات مزورة، وأن من سوق لها حاول أن يبيع العملة بطريقة غير نظامية ويتربح من ورائها، وقد تمت محاسبة المتسببين والمتعاونين معهم وإجهاض مخططاتهم بالتنسيق ما بين الحكومتين السعودية والكويتية، وحاليا يأتي أحدهم بـورقة يصفها بـ«الوثيقة» ويقول بأنها تعطيه تصريحا يمكنه من تزويج السعوديين بسوريات فقدن عوائلهن في حرب الفرقاء السوريين، وأنه يمثل مؤسسات خيرية معنية برعاية الأيتام، ماذا نفهم من العبارات السابقة، ولماذا يمنح شخص واحد هذا الامتياز الخطير إذا سلمنا بوجوده من الأساس وحيدنا شبهة التزوير أو الفبركة، وما أسباب التركيز على النساء الصغيرات وغير المجربات، وبأسعار تتفوق على تجارة الرقيق الأبيض في شرق آسيا وأوربا، وهؤلاء يأخذون مبلغا ضخما وبالساعة.
بدأنا بزواجات المسيار والجوال والمصياف والمطيار والوناسة وغيرها، وانتقلنا إلى الخاطبة الإلكترونية ومن ثم الخاطب الإلكتروني المرخص والمتخصص، كما هو حال صاحبنا في تزويج السوريات، وبالتأكيد التخصص مطلوب لتحقيق جودة أفضل لأي عمل، ولا بد من لازمة إعلانية؛ كـ«دائما متماسكة» أو «أن تعرف أكثر» أو «الستر والأجر»، ولن أقول بأن عملية التزويج العشوائي ربما ساعدت في استدراج سعوديين إلى جماعة داعش أو بقية التنظيمات المتطرفة، فوصفة النساء مجربة ومفعولها مضمون، وقد استخدمها الإسرائيليون بنجاح في تجنيد وابتزاز بعض المؤثرين من رجال السياسة والاقتصـاد والدين حول العالم، ويظهر أن الظنون السيئة تبقى محايدة أمام المرأة المستسلمة لطالبها، باعتبارها كائنا مفطورا على الحب والخير والجمال.