دائماً ما يشعر الإنسان بالرغبة بالتعبير عن نفسه، محاولاً إظهار الشخصية التي تمثله وتعبر عن أفكاره، قد يلجأ لأدوات وأساليب تساعده في ذلك مثل هيئة ثيابه وأسلوب كلامه وتصرفاته.
الشباب بالذات هم الأكثر رغبة بإبراز شخصياتهم وإمكانياتهم وفي سبيل ذلك تجدهم يواكبون آخر صرعات الموضة ويقتنون أحدث الأجهزة ويتقمصون هيئات وأشكالاً ليست من بيئتهم ولا تمثل فِكر مجتمعهم بأي حال من الأحوال، كأشكال مغني الروك والراقصين وفنانين من أمريكا والغرب بصفة عامة، قد تتطور الحالة لدى بعض من الشباب ويصبح تأثرهم ليس مجرد ثياب وحركات مستوردة بل أيضاً أفكار يتبناها ويعيش وفقاً لها، وبطبيعة الحال لا أريد أن يفهم أنني ضد التطور والنمو العقلي والفكري ولكنني أعني تبني الأفكار الغربية التي تدعو للانحلال والتجرد من الأخلاق والدعوة للتحرر. في ظني أنه إذا عاش الشاب هذه الحالة فلأنه لم يشعر بالفخر والانتماء لتراثه وقيمه وحضارته لذا يعتقد أن الغرب تقود العالم وهم المثل والقدوة في التطور والحضارة وهذا الاعتقاد لم بأن من فراغ بل هو نتاج لقوة الإنتاج الغربي وتفوقه في عدة حقول كالصناعة والتقنية والاختراع والفن والرياضة وغيرها، وبالتالي فرضت نفسها على عقول شبابنا بشكل قوي. أمثال هؤلاء الشباب يحتاجون للفتة بسيطة للتاريخ العربي للتراث العميق العظيم وأنا متأكدة أن من شأن هذه اللفته أن تجعل هذا الشاب يغير نظرته الدونية عن هويته، ولن أذهب بعيدا فحتى الغرب من رموز وفلاسفة وعلماء يمجدون تاريخنا ويثنون عليه ويدرسونه، وعلى سبيل المثال الطب في فترة من فترات التاريخ كان يتم تعليمه باللغة العربية في الجامعات الأوروبية، وُيعد كتاب» القانون « والذي ألّفه ابن سينا هو المؤسس لعلوم الطب والذي بنا أساسه ورسخ قواعده، وقد تم تدريس هذا الكتاب في جامعات أوروبا حتى القرن السابع عشر، ولم يكتف العرب بتأسيس علم الطب بل تعمقوا في تفاصيله وفروعه ففي الجراحة يُعد الزهراوي أول من استخدم جلود الحيوانات في الخياطة، وفي الصيدلة العالم الكيميائي والطبيب ابو بكر الرازي الذي استخدم العناصر الكيميائية لصناعة الأدوية، وبالنسبة لعلوم أخرى كالكيمياء فالمقارنة بين علماء العرب والغرب قد تكون خير برهان على دور علمائنا في إثراء بحر هذا العلم على سبيل المثال، لنقارن بين العالم الفرنسي لافوازييه والعالم العربي جابر بن حيان، كلاهما لقب ب «أبو الكيمياء « وكلاهما كتب التاريخ عنهما أنهما أسسا هذا العلم وأخرجاه من بوتقة السحر والشعوذة لعلم راسخ له قوانينه، لكن جابر بن حيان عاصر الدولة العباسية أما لافوازييه فقد عاصر حكم ماري انتوانيت والثورة الفرنسية، وبالتالي جابر بن حيان أقدم وأعرق وأسبق للكيمياء من لافوازييه.
الفيزيائيون يمجدون العالم نيوتن وقوانينه التي أثرت فضاء الفيزياء، لكن ورغم انجازات نيوتن العبقرية يظل العرب سباقين في الفيزياء أيضاً فالقانون المعروف بـ «قانون نيوتن الأول للحركة «والذي ينص على أن الجسم يبقى على حاله من سكون أو حركة منتظمة في خط مستقيم ما لم تجبره قوة خارجية على تغيير حاله.. هذا المبدأ اكتشفه العالم العربي ابن سينا قبل نيوتن بستة قرون!! ونظريات انكسار الضوء المنسوبة للعالم سنِل اكتشفها العالم العربي ابن الهيثم قبله، بل إن سنِل نفسه لجأ لدراسات وأبحاث ابن الهيثم في مجال الضوء.
والذي أريد الوصول له أن جميع هذه النماذج وغيرها كثيرة جدا إنما هي إرث وكنز معرفي لا يمكن التنكر له، ونسيان أن الحضارة الغربية قامت عليه وعلى تلك العقول العربية، وبالتالي فإن نظرتنا للتراث يجب أن تكون قوية لأنه اليوم هو الوحيد القادر على أعادة العقل العربي للتميز وأيضا هو القادر على منحنا الأمل بالغد والمستقبل، وظيفة التراث اليوم اخطر وأهم من أي زمن مضى، لأن علماء العرب وما قدموه للبشرية خير وسيلة لدعم أي جهد معرفي لهذا لأمة نحو المستقبل، ولعلها وظيفة جديدة للتراث.