بعد زيادةِ الجدل في الشارعِ التركي حول طبيعة وكيفية تحرير الدبلوماسيين ورجال الأمن الأتراك وعائلاتهم من قبضةِ تنظيم داعش في مدينةِ الموصل، لمْ يَدَّخِرْ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحالم بإعادةِ أمجاد الدولة العثمانية جُهْداً في إماطةِ اللثام عن خفايا صفقة تحرير الرهائن، حين أعلن بعد أكثرِ من مئة يوم على حادثةِ الاختطاف في تصريحٍ مثير ما خلاصته: ( البعض يسألنا: كيف حررتم رهائنكم من أسر تنظيم داعش وماذا قدمتم؟ إن تركيا قدمت ما قدمت، لكن النتيجة كانت تحرير مواطنيها، وهذا هو المهم، وعلى الجميع أن ينظر إلى هذه النتيجة ). ويعد هذا التصريح المفاجئ تأكيداً لما تناقلته الوسائل الإعلامية من أن المقايضة التي تمت مع الحكومةِ التركية، أفضت إلى الإفراجِ عن عشراتِ السجناء والمعتقلين من عناصرِ التنظيم نفسه في تركيا!!.
ومن الماضي القريب نستذكر صفقة تبادل الأسرى ما بين حماس و( إسرائيل ) التي شكلت إحدى أضخم عمليات تبادل الأسرى العربية الإسرائيلية التي وسمها الفلسطينيون باسمِ ( صفقة وفاء الأحرار )، فيما تشير إليها ( إسرائيل ) باصطلاحِ إغلاق الزمن، حيث أفرجت ( إسرائيل ) بموجبِ هذه الصفقةِ التي تمت قبل ثلاث سنوات بوساطةٍ ( مصرية ) عن أكثرِ من ألفِ أسير فلسطيني قبالة إفراج حركة حماس عن الجندي الأسير ( الإسرائيلي جلعاد شاليط ) الذي نعتت بعض المصادر الإعلامية هذه الصفقةِ باسمهِ، عبر الإشارةِ إليها بعنوانِ ( صفقة شاليط )!!.
وعلى خلفيةِ تبني تنظيم داعش قطع رأس الصحافي الأمريكي ستيفن سوتلوف، طالب نواب أمريكيون الرئيس باراك أوباما الإسراع في وضعِ خطة للتصدي لتنظيم داعش في سوريا والعراق، فضلاً عن إعلانِ رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلسِ النواب استدعاء وزير الخارجية جون كيري لجلسةِ استماع، إضافةً إلى تأكيدهِ أن الجميع يجد حاجة الإدارة إلى استراتيجية، وأن على الرئيس أوباما أن يشرح للأمريكيين والكونغرس كيفية مكافحة هذا التهديد!!!.
أما في العراق، فإن اعتصامات وتظاهرات أهالي ضحايا حادثة قاعدة ( سبايكر ) التي كثر الجدل عليها، لم تجد نفعاً في تلبية تطلعاتهم المتمثلة بالتعرف على مصيرِ أبنائهم، على الرغمِ من اكتنافِ أعماقهم ثورة عارمةً، ما لبث أن أخمد جذوتها عدم اكتراث بعض المسؤولين بفعلِ مختلف العقد التي تعتلي عقولهم، ما أفضى إلى جعلهم غير آبهين بما تعنيه واقعة رمي العراقية حجابها والكشف عن شعرِ رأسها الذي صيرته محن الوطن المبتلى وعذابات السنين أبيض تحت قبة ما يفترض أن يكون بيتا للشعب الذي سينحني إجلالاً وعرفاناُ لمن عمل من أبنائهِ جاهداً لخدمته وصيانة سلامته والحفاظ على أمنِ بلاده، فضلاً عن ركلهِ من خانته القدرة على الوفاءِ لتعهداته، فاضطر إلى النحي مجبراً صوب دفن رأسه في ليالٍ حمراء بأضخمِ فنادق العواصم العربية أو العالمية، تماماً مثلما تفعل النعامة في بيئتها الرملية. وضمن هذا السياق أراني مضطراً للتذكير بالإجابةِ الصادمة للرئيس الامريكي الأسبق بيل كلنتون حول سؤال أحد الصحفيين عن سبب انحيازه لـ ( إسرائيل ) على حسابِ العرب، حين برر موقفه باحترامِ الحكومة ( الإسرائيلية ) لشعبها!!.
إن احترام الشعب، والحفاظ على ثرواتهِ ومصالحه وقواه البشرية، والعمل على تحقيقِ آماله، يشكل المعيار الرئيس في مهمةِ تقويم الأداء الحكومي الذي كان من ملامحِ إخفاقاته الكبيرة، الزام العراقية ( أم كاظم ) التي تسكن في إحدى مناطق التجاوزات، بيع مبردة الهواء الوحيدة التي تملكها؛ بغية تأمين كسوة عيد الأضحى لحفيدها الذي قدر له أن يخرج إلى الدنيا من دونِ أن يراه والده الذي أودى بحياته أحد الانفجارات التي طالت مدينة بغداد الجديدة ضمن سلسلة الأعمال الإرهابية الجبانة التي عصفت بها في المدةِ الماضية.
شتان ما بين كسوة العيد التي حظي بها حفيد أم كاظم التي لم تتجاوز كلفتها خمسة وعشرين ألف دينار، وما بين كسوة خدام الشعب التي لم تنقص قيمتها عن خمسة وعشرين مليون دينار!!. أما مأساة ( سبايكر ) التي عجزت الحكومة عن إقناعِ المسؤولين الإشارة إليها باسمها الجديد الذي يعبر عن احترامِ الشعب لشهدائه، فما تزال رهينة التوافقات السياسية، بوصفها من الأسرارِ التي لا يقوى على فكِ طلاسمها إلا الراسخون في علمِ الأنتيكات أو جهابذة الهندسة الوراثية!!.
في أمانِ الله.