الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

حزب التحرير والمرأة.... منهج الخلافة وأوهام العدل

  • 1/2
  • 2/2

الكاتب الصحفي: باسل ترجمان - تونس - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

أزمة التدافع الحضاري في عقل الجماعات الإسلامية الغارقة في الصدام الأزلي بين التطور الإنساني والجمود الفكري، والهروب من مواجهة تحديات زمن يسير بسرعة الصوت، بينما يرى العاجزون عن مواجهة الحداثة أن الحل الأمثل بالعودة للتاريخ بكل ما فيه من وهم وأخطاء،  ويسقطون عليه مفهوم القداسة ليصبح الاقتراب منه محرماً والحديث عنه كفراً ونقده إلحاداً.
العنف ضد المرأة حقيقة، وتجريم الفعل وفضحه ضرورة يفرضها تطور المجتمعات، والحديث عن واقع المرأة في المجتمع التونسي والأرقام التي يعتبرها البعض صادمة تعكس أن مجتمعاً خرج من طور الصمت الذي مازال يغلّف بقية المجتمعات التي يلفها الممنوع والمحرم للحديث عن مشاكل تواجهه والبحث عن حلولها وتجاوزها.
الأرقام المتداولة عن واقع المرأة في تونس، والذي نعتبره سيئاً، تخفي وراءها أرقاما وحقائق يحاول الكثيرون التهرب منها وإخفاءها، وهي نسب تتقارب مع المجتمعات الحديثة والأكثر تطورا، وليس مع مجتمعات تعتبر المرأة عورة وناقصة عقل ولا يحق لها أن تكون في الكثير من مواقع العمل والقيادة.
المرأة في تونس تشكّل نصف سوق العمل المتميز، فعدد الطبيبات صاحبات مرتبة "بروفيسور" يفوق عدد من يحملون هذه المرتبة بكثير من الدول العربية والإسلامية، ونسبة تولي المرأة للقضاء تعتبر محترمة وهذا لا يمكن مقارنته بالبقية الذي ينكرون على المرأة حقها فيه، وتشارك في إدارة مؤسسات الدولة وتتساوى مع الرجل في نسبة التوظيف في التعليم وتحتل مواقع متقدمة في المجالات العلمية الدقيقة وعالية التخصص وهذه النسب يصعب مقارنتها بكل الدول الإسلامية والعربية.
الحديث عن الظلم والعنف وعدم التقدير لدور المرأة يعود في أساسه للموروث الفكري والثقافي في المجتمعات الإسلامية التي توقفت عند التغيير الإيجابي الذي حققه الإسلام للمرأة زمن الجاهلية، والمشكلة الأساس في عقول المسلمين أنهم يعتبرون هذا التغيير صالح في كل زمان ومكان، يضاف له الإسقاطات التاريخية لزمن الانتكاسات الإسلامية التي انعكست سلباً على دور وواقع المرأة.
لم تعد المشكلة اليوم، والتي يريد حزب التحرير إعادتها للسطح عبر حديثه عن حل مشاكل المرأة، مرتبطة بعودة الناس لفكره الذي اعتبر "وجود البديل المفصل من الإسلام الذي يكرس النظرة الصحيحة للمرأة ودورها الفعال في المجتمع وكيف أنها مصونة كريمة بأحكام ربها تضمن دولة الإسلام لها حقوقها بل تجيش الجيوش من أجلها إن لزم الأمر".
هذه الأدبيات التي تتحدث في العموميات تحاول تقديم نفس الصورة الوهمية المثالية للإسلام، وعدم قراءة حقائق تاريخية جسدت بالنص وقراءاته المختلفة إنكارا متكاملا لكل حقوقها ودورها في المجتمع وإحالتها للدور الذي يعتقدون أنها وجدت لأجله باعتبار أن وظيفتها جنسية بامتياز كما تحدث أحد من يصف نفسه مثقفا ومفكرا إسلامياً في هذه المرحلة.
الهروب لمثل هذه الصياغات الفضفاضة تعكس الإفلاس الفكري لدى حزب التحرير مثل "إن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وبكل فخر هي البديل السياسي الوحيد للأنظمة العلمانية المقيتة التي سامت الناس رجالا ونساء سوء العذاب، هذا الأمر الذي وعاه الغرب وأربابه، بينما كثير من المسلمين للأسف يرضون لأنفسهم أن يبقوا تابعين مضبوعين؛ ومازالت دولة الخلافة عند بعض السذّج جواريَ وخياماً بل كهوفاً في أفغانستان، ولو أدركوا حقيقتها لعلموا أنها السبيل الوحيد للحداثة والتقدم، وأن بها وحدها سنعود الدولة الأولى في العالم، الدولة الرائدة في جميع المجالات، بل لعلنا سنقفز بها سنوات ضوئية عن حالنا اليوم".
هذه القراءات العاطفية تخفي حقائق تاريخية ساطعة ففي زمن الخلافة كانت أسواق  الجواري والعبيد تملأ مدن الخلافة، والنساء تباع وتشرى بلا كرامة وزواج القاصرات عادة مباركة، ولم نسمع بعد مرحلة الإسلام الأول من دور وقيمة للمرأة في المجتمعات المسلمة خارج إطار الجنس والزوج.
المقهورون الغاضبون على وضع المرأة في تونس التي تتقدم نحو مستويات غير مسبوقة في النهوض الحضاري واحتلال دورها الكامل في المجتمع كان بإمكانهم وقد فاض بهم الغضب أن ينشروا حقائق واقع المرأة فيما يعتبروها مجتمعات إسلامية حققت خطوات عظيمة في نهج إقامة دولة الخلافة الموعودة، بدل الغرق في قانون الصمت.
انتهاك حقوق المرأة يواجه بالقانون وبثورة على السائد الثقافي المرتكز على الموروث الإسلامي، والفرق بين الرؤى يعود لقراءتين مختلفتين في المنهج والمضمون بين من يرى المرأة عورة وناقصة عقل ودين، ومن يعتبرها نداً وشريكاً في صناعة مستقبل، وليس حلما ماضيا نرى سواد راياته يرفرف في الكثير من الساحات.
فكر حزب التحرير هو جزء من المشكلة وليس طرفا في الحل، لأن من يعتبر أن كل ما يجري في العالم مؤامرة تستهدف وجوده لا يمكن أن يملك رؤى وفكرا خارج منظور مرضي يعتبر أن وجوده مرتبط بالمؤامرة ونهايته بنهايتها. 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى