عندما تثار قضية حقوق المرأة داخل المجتمعات في المحافل الدولية يحدث ربط منطقي بين معاناتها وبين الأنظمة الديكتاتورية والثقافات العنصرية، بحيث رسخت قناعة بأن ثمة علاقة حتمية بين أن يجور نظام ما علي حقوق المرأة المختلفة وبين درجة نضجه السياسي وتطوره الديمقراطي، وذلك انطلاقا من أن المرأة هي ظاهرة من الظواهر الاجتماعية القادرة علي أن تعكس ما يسيطر علي مجتمعها من عدل وحرية ومساواة.
لهذا تعد أوضاع النساء في المجتمعات أحد المؤشرات الجديدة التي يعتمد الباحثون عليها للحكم على أداء النظام السياسي وعلى مستوى ليبراليته وتحرره،وبالتالى فدائماً تصنف الشعوب العربية من أكثر الشعوب إهانة للمرأة وعدم إحترام لحقوقها ، والتي كان أخرها دراسة أجرتها مؤسسة "تومسون رويترز" وإستعانت فيها بخبراء متخصصين في مجال قضايا المرأة حيث جعلت هذه الدراسة من مصر أسوأ مكان بالعالم العربي يمكن أن تعيش فيه المرأة، نظراً للقوانين التي تميز بين الجنسين ..زيادة معدلات الإتجار بالنساء .. التحرش الجنسي.. إرتفاع معدلات ختان الإناث.. زيادة العنف وما إلي ذلك ...
فوضع المرأة العربية تم الحديث عنه مراراً وتكراراً ،فلما لا نتطرق لوضع المرأة في الدول المتقدمة ؟؟ فإسرائيل من أولي الدول التي تنادي بالحريات وحقوق الإنسان والمرأة في المحافل الدولية فماوضع المرأة فيها ؟؟ ،التعرض لوضع ومكانة المرأة في دولة إسرائيل هو جزء من التعرض لواقع المجتمع الإسرائيلي وأنماط العلاقات بين فئاته التي يعاني بعضها التهميش والتحيز .
المرأة في نظر المجتمع الإسرائيلي
رغم إدعاء إسرائيل المتكرر أمام مؤتمرات حقوق الإنسان أنها تحافظ على الحقوق وتحترم الديمقراطية والتعددية، فإن المجتمع الإسرائيلي بمعطياته يقول غير ذلك.
فقد أجريت دراسات وإستطلاعات للرأي حول قياس ظاهرة العنف ضد المرأة في إسرائيل وإلي أي حد بلغت الظاهرة ،إتضح أن معدل العنف ضد النساء في إسرائيل قد إرتفع بنسبة 4% عن العام الماضي،حيث تلقت الشرطة الإسرائيلية ومراكز التبليغ عن العنف الأسري نحو 15000 طلب من قبل نساء تعرضن للضرب، أو الإعتداء الجنسي لهذا العام .
ووفقاً إحدي إستطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا حول العنف ضد المرأة وكيفية التعامل معها داخل الأسرة قال 57% إنها تستحق الضرب، فيما قال 34% إن العنف ضد المرأة غير عادل.
وإمتدادا لهذه الأزمة فقد بين الإستطلاع، أن 59% من النساء يرين أن المساواة غير موجودة في المجتمع الإسرائيلي فيما رأى 37% أنه توجد مساواة في الغالب.
وبين تقرير آخر أن 20% من الإسرائيليين المجرى عليهم الإستطلاع يعتقدون بأن الشرطة نجحت في معالجة شكاوى العنف ضد المرأة، كما رأى 20% آخرين أن المحاكم الإسرائيلية تقوم بعملها بشكل جيد فيما يتعلق بقضايا العنف ضد المرأة.
بينما رأى 72% من الإسرائيليين يعتقدون بأن الشرطة الإسرائيلية لم تنجح بالدفاع عن النساء ولا الأطفال أمام أزواجهن، كما رأى 80% أن الشرطة لا تفرض عقوبات ملائمة لردع من يقوم بأعمال العنف ضد المرأة.
وفي سياق متصل نشر مكتب الرفاه الإسرائيلي تقريراً أشار فيه إلى أن مراكز منع العنف العائلي التابعة للمكتب، عالجت نحو 11 ألف حالة عنف من بينها 8000 حالة عنف بحق إمرأة و990 حالة عنف ضد أطفال.
ولفت المكتب إلى أن نحو 40 ألف شخص إتصلوا بمراكز منع العنف العائلي يشكون من الإعتداء الجنسي بحقهم، موضحاً أن 64% منهم كانوا فتيات لا تتجاوز أعمارهن الـ18عاماً. ويرجح مركز دراسات المرأة في إسرائيل سبب هذا الإرتفاع إلى حالة التوتر النفسي التي يعيشها الرجال، جراء تدهور الأمن والإقتصاد وإنهيار الوضع الإجتماعي فيما تؤكد أن هناك أسباباً أخرى تعود إلي الإفراط في تناول الكحول وكذلك المخدرات.
بالإضافة إلي أن المرأة اليهودية في إسرائيل تعاني من العنف ضدها وتتعرض للمهانة خاصة في أوساط الذين لم يحظوا بعد باليهودية الصادقة. وهؤلاء هم من لم يعترف بهم كبار الحاخامات، وأغلبهم من الذين هاجروا من إثيوبيا (يهود الفلاشا).
ويشمل ذلك أيضا الذين هاجروا من الدول الشرقية، وأشياء آخري تؤدي إلى فقدان المرأة حقها في المواطنة والمطالبة بحقوقها، إضافة إلى فقدانها حق الإندماج في المجتمع، هذه الأمور كلها أدت إلى إختلاط المفاهيم حول حقوق المرأة وواجباتها في هذا المجتمع.
ورغم تولى المرأة الإسرائيلية مناصب متعددة وحساسة في السياسة الإسرائيلية والمناصب العسكرية أيضاً (فكانت "جولدا مائير" امرأة تولت منصب رئيسة الوزراء، وهو أعلى منصب سياسي في اسرائيل) فإن الإحصائيات المرتبطة بوضع المرأة في إسرائيل تحمل تناقضات عميقة فهى وإن عكست تقدم المرأة في مجالات فهى تعود لتشير لإنتكاس وضعها في مجالات عديدة أخرى؛ حيث يتميز المجتمع الإسرائيلي بأغلبية نسوية إذ كشفت دائرة الإحصاء المركزية أن عدد النساء 2002 يفوق عدد الرجال حيث وصل عددهن إلى 3.358.800 امرأة، فيما بلغ عدد الرجال 3.282.300 رجلًا.
وعلى الصعيد الثقافي تشير المعطيات إلى أن 62% من نساء المجتمع يحملن شهادة الثانوية العامة (البجروت) فيما يبلغ عدد الرجال الحاصلين عليها 55%. أما الشهادات الجامعية فتبلغ نسبة النساء 56% مقابل 53% من الرجال.
و تضطر النساء أن تتصرف مثل البهلوانات للتوفيق بين البيت والأولاد وبين العمل، الأمر الذي يسبب لهن صعوبة في شغل المناصب العليا، هذا بالإضافة إلى الظلم القائم في موضوع الأجور. والأمر أكثر صعوبة في حالة الأمهات المعيلات، فأصحاب العمل لا يبادرون إلى قبولهن في العمل.
وقامت منظمات المجتمع المدني في إسرائيل بتبني قضية المراة وأقامت مايسمي بالصندوق الجديد لإسرائيل من أجل الدفاع عن حقوق المرأة ،والذي إعترف بنفسه أن المرأة في المجتمع الإسرائيلي تواجه إنعدام المساواة بشكل جوهري في مجالات الحياة المختلفة بالرغم من مساهمتها على نحو كبير في الاقتصاد والسياسة والتربية وكافة مجالات العمل الإجتماعي. وتواصل العديد من المؤسسات والعادات الإجتماعية والتقاليد والقوانين الدينية إضعاف النساء والفتيات في المدارس والعمل والمحاكم الدينية، وتستمر في تثبيت عدم المساواة بين الجنسين. أجر النساء أقل من أجر الرجال، ويعاني عدد كبير من الأمهات ، والنساء المتقدمات في السن، والنساء العربيات القادمات من إثيوبيا أو الدول الاشتراكية سابقاً من البطالة والفقر والمشاكل الصحية والخرق الفاضح لحقوقهن الأساسية: كما أن السيطرة الدينية المتشددة على أحكام الزواج والشؤون الاجتماعية تقيد من حرية النساء .
المرأة في نظر رجال الدين
أشار كثير من الباحثين والكتاب إلى بعض مظاهر القمع الموجه للمرأةاليهودية، وأشار الكاتب الوزير السابق يوسي سريد لأبرز قضايا إمتهان حقوق النساء في الشريعة ومنها:
" إذا سقط رجلٌ وامرأة في نهر، فالإنقاذ يكون للرجل أولا، قبل المرأة، فهو الذي يُحيي الشريعة، أما المرأة فمخلوقة للبيت"، " وفي الصلوات اليومية الثلاثة يشكر المصلي ربه لأنه لم يخلقه امرأة".
النساء عند الحارديم المتطرفين ، مخلوق نجس، تماثل الكلب والخنزير، و من أقوال الحاخام عوفاديا يوسف في موعظته الإسبوعية عن المرأة ، " يجب على الرجل ألا يسير بين امرأتين، أو بين كلبين، أو بين خنزيرين"!!
كما أن صلاة النساء اليهوديات أمام حائط المبكي كانت مثار جدل واسع لوقت طويل بين الأحزاب الدينية والحكومة، فالمرأة اليهودية ممنوعة من ممارسة الطقوس الدينية لأنها (نجسة) و (قذرة) حسب رأي الحاخامات، والتي أودت باعتقال امرأة يهودية لأنها تلبس شال الصلاة وتحمل التوراة، ومن المعروف أن كثيرات من النساء المتدينات يخشين السير في حي مائة شعاريم بالقدس ، لأنهن سيتعرضن للإهانة والبصاق، حتى وهن يلبسن لباسا محتشما، ففي الحي تقوم مجموعات من الفرق الحريدية التي تتلقى أوامرها من حاخاميها المتشددين، وتقوم بمطاردة النساء، وتقتحم عليهن حتى بيوتهن بتهمة الإخلال بالشرف،وغيرها الكثير من الافعال والإنتهاكات،ولم تسن قوانيين تعطيها الحق بالتصرف في جسدها، وفي الحماية من العنف ومن تجارة الرقيق الأبيض، وفي تمثيلها بالقطاع العام، فقد ظلت قضايا الحياة الأسرية كالزواج والطلاق من إختصاص المحاكم الدينية، سواء كانت يهودية أم مسيحية أم إسلامية أو درزية، وتهيمن هذه المحاكم على حياة المرأة وحقها في إدارة شئوون حياتها بنفسها؛ فعلى سبيل المثال لا تستطيع المرأة في ظل هذه المحاكم الدينية الحصول على فرصة مساوية لفرصة الرجل في الطلاق فأكثر من 97 % من الرجال يرفضون تطليق زوجاتهم ويعتدون عليهن بالضرب، ورغم تلك الإحصائيات وتزايد معدلات العنف وتدني مكانة المرأ ة بصورة مستمرة والمعطيات رغم خطورتها وتهديدها للأمن القومي والإجتماعي لم تحفز حكومات إسرائيل المتتالية لبذل الجهود الحقيقية لمحاربة ظاهرة العنف ضد المرأة، حيث لم يتم وضع مسألة معالجة هذه القضية على سلم أولوياتها ، إلي أن أصبحت النساء في إسرائيل تتسائل بعد الوصول لعام 2013
ماذا فعلت لنا حكومة إسرائيل ومؤسساتها الأهلية والحكومية؟!
هذا هو جزء بسيط جداً مما تواجهه المرأة في إسرائيل وإن لم أستطع سرد الحقيقة كاملة ، ولكن أردت فقط الإشارة إلي أوضاع النساء في الدول المتقدمة التي تنادي بالحقوق والحريات ودائمة الإتهام لغيرها بالقمع والعنف .