أطل من النافذة على الثلوج تغطي»اوسلو« عاصمة النرويج،تكتسى الأرض والبيوت والأشجار حتى الأفق باللون الأبيض الشاهق،
برودة الشمال فى الشتاء تبث النشاط فى العقل والجسم وتعيدنى للشباب، زجاج النافذة متين شفاف يسمح للعين ان تنفذ للسماء ،ويظل الصقيع خارج القاعة المتوجهة بحرارة الشابات المبدعات من بلادالعالم ، تتألق الثلوج بلون اللؤلؤ الشفاف تحت الشمس،وتنفذ الاشعة الذهبية داخل قلب البياض الناصع، تكتسب الأرض والسماء حمرة الدم يوحى بالدفء رغم البرودة الهابطة تحت صفر الصفر.
وصلت من القاهرة والشمس بالافق تنحدر برفق فوق قمم الثلج، صديقتى النرويجية منذ ثلاثين عاما اسمها »ماريان« تعرف منذ لقائنا (عام1983) اننى احب السير فى الثلج تحت اشعة الشمس، أخذتنى بالأمس إلى الميدان الرئيسى حيث مبنى البرلمان ،وتمثال »هنريك ابسن« الكاتب المسرحى ، تفخر »ماريان« به فخرا عظيما مثل الشعب النرويجى ، يفخرون بالفنانين المبدعين، لكن هنريك ابسن يحتل موقعا مميزا ، لايساويه إلا الملك هاكون السابع ، ينتصب تمثاله فى الناحية الأخرى من الميدان،هذا الملك(1905 الى 1957) قاوم الاحتلال النازى خمس سنوات، منذ 9ابريل 1940 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، عاش المنفى فى لندن ،ولم يكف عن النضال حتى هزيمة هتلر، عاد الى النرويج (عام 1945) حيث استقبله الشعب استقبال الأبطال.
اشارت»ماريان« الى ثلاثة ابنية فى الميدان، واحدة بيضاء والثانية حمراء والثالثة زرقاء ، بألوان العلم الفرنسي، وقالت احتفلت النرويج العام الماضى (2014) بمرور قرنين على الثورة الفرنسية ،وتم طلاء هذه الابنية بالالوان الثلاثة، الابيض والاحمر و الازرق، احتفالا بالثورة ومبادئها الثلاثة، الاخاء والحرية والمساواة، ثم مصمصت شفتيها، بأسي: هذه الابنية الثلاثة التى ترمز للثورة الفرنسية كان المفروض ان تعبرعن مبادئها العظيمة ولاتتحول الى دكاكين ومراحيض عامة، تفخر »ماريان« باسمها، فهى تحمل اسم المرأة التى ترمز للجمهورية الفرنسية الاولى بعد الثورة، وكان الفرنك الفرنسى (قبل وجود اليورو) يحمل صورتها.
ماريان النرويجية تتمتع بروح الفرنسية الثورية، تناضل منذ سنين ضد جشع الرأسمالية الشرسة بالنرويج، تقوم بتأليف كتابها الجديد عن انتهاك الاثرياء للطبيعة، رجال الاعمال الكبار، يقطعون الاشجار ويهدمون التماثيل فى الحدائق الاثرية القديمة والغابات، من اجل بناء الدكاكين التجارية والمراحيض العامة، النهم للاستهلاك وشراء اشياء لايحتاجون إليها، تحت وطأة الإعلانات وانفاق المال الذى لايحتاجون إليه تحت وطأة السأم، هذه آلة الرأسمالية الجهنمية، الجشعة، تزيد من الهوة بين الفقراء والاغنياء ،وبين النساء والرجال ، فى النرويج وكل البلاد.
فى القاعة الفسيحة اجلس وسط نساء العالم الشابات الثوريات المبدعات الجديدات ،تجمعن من الشرق والغرب والشمال والجنوب ، كاتبات روائيات، موسيقيات، قاضيات، طبيبات ،مخرجات وممثلات سينما ومسرح،راقصات، مغنيات، شاعرات فنانات تشكيليات محاميات عاملات بالصناعة والزراعة، مقاتلات،وزيرات، خبيرات دوليات، وغيرهن من كافة المجالات.
مؤتمر يجمع نساء العالم المناضلات بالابداع الفكرى والفنى من اجل اسقاط النظام العالمى القديم،وبناء نظام جديد قائم على مباديء الثورات فى العالم: حرية عدالة كرامة بين الجميع بصرف النظر عن الجنس اوالدين او الطبقةاوالجنسية اواللون اواللغة او غيرها وقامت بتنظيم المؤتمر مجموعة من الشابات، ولدن بالنرويج،وتعلمن واشتغلن فيها امهاتهن واباءهن ولدوا وعاشوا فى بلاد متفرقة فى القارات الخمس ، دفعهن القهر والبطش والفقر إلى الهجرة، تقود المجموعة شابة فنانة اسمها»ديبا خان« مخرجة افلام تسجيلية، سمراء البشرة، جاء اهلها من باكستان،ممشوقة القامة، ملامحها خليط من الهويات والاجناس ، هذا المزيج المبهر من الدماء، يوحى بكسر الحدود والتمرد على القيود، يمنح الشخصية جاذبية خاصة بها وشجاعة على الابداع،وهدم الفواصل المصنوعة بين البشر.
استمعت فى احدى جلسات المؤتمر الى شابات فلسطينيات،منهن كاميلا جبران، المؤلفة الموسيقية، قدمت اغنية من تأليفها وتلحينها، وتعبر عن آلام الشعب الفلسطينى وثورته المستمرة ضدالوحشية الصهيونية المدعمة بالسلاح الامريكى ، وريم عبدالهادى التى تعمل فى رام الله، تكلمت عن معاناة النساء والاطفال تحت الاحتلال الاسرائيلى ،والفنانة»ان باك« المصورة الفوتوغرافية المهاجرة لباريس ، عرضت علينا مشاهد لنساء واطفال تعرضوا للقتل وتقطيع اطراف الجسد بواسطة الالةالعسكرية الاسرائيلية، وتكلمت رنا الحسينى الكاتبة الصحفية الفلسطينية، عن نزوحها القسرى الى الاردن تحت وطأة البطش العسكرى للشعب الفلسطينى .
من بغداد جاءت »ينار محمد « لتتحدث عن الاحتلال الامريكى للعراق، وتشجيع»جورج بوش الاب والابن وباراك اوباما« للتيارات الاسلامية القاتلة، من القاعدة الى داعش، لتفتيت العراق طائفيا والاستيلاء على بتروله وموارده، ومن طهران جاءت القاضية والمحامية «شيرين ابادي» الحاصلة على جائزةنوبل، تحدثت عن اهوال الامام الخمينى وخلفائه من الملالى واعوانهم بالداخل والخارج، لتفتيت الشعب الايرانى طائفيا ونهب بتروله وموارده، الخطة الاستعمارية الجهنمية المتكررة بالتعاون مع الحكومات المحلية .
افتتحت المؤتمر الراقصة الفنانة الباكستانية «شيما كرماني» جاءت من كراتشى وقدمت رقصة هندية من اجمل الرقصات مع اللحن من تأليفها ، والراقصة والفنانة التشكيلية التونسية «هالة فتومي» قدمت ختام المؤتمر بصور من فنها الجرافيك ورقصة تونسية مبدعة.على مدى يومين كاملين عشنا متعة الابداع والثورة مع نساء العالم الجديد القادم.