لم تكن المرأة المسلمة بعيدة عن التكريم من قبل جائزة نوبل العالمية. فمنذ أن فازت الايرانية شيرين أبادي ومن بعدها امرأة يمنية، سعت المرأة في كل المجتمعات الاسلامية الى الوصول الى قمة الجوائز العالمية الرفيعة.
ولم لا وهي لا تقل إنجازا وابداعا واستحقاقا عن مثيلاتها من نساء العالم المبدعات. وما تحقق أخيرا بحصول الشابة الباكستانية ملالا يوسف زاي على تلك الجائزة الرفيعة يثبت بأن المرأة المسلمة ماضية بهمة في طريق الانجاز والتميز سواء بفكرها أو بقلمها أو بعملها ومنجزها.
لم يعقها حجابها ولا العادات المجتمعية والتقاليد القاسية التي تكبلها في بعض البلدان ولا الافكار المتطرفة التي تريد دفعها في طريق التخلف بعيدا طريق العلم والابتكار بل مضت واثقة نحو هدف مميز وهو الوصول الى قمة هرم الابداع. جميع النساء المسلمات فزن بجائزة نوبل لأنهن حاربن من أجل الحقوق والحريات المدنية. إنها قضية العصر بالنسبة للمرأة الحديثة.
وعلى الرغم من أنه معروف أن الجائزة لا تمنح فقط لإنجازات الفرد الشخصية ولكن تدخل فيها في الكثير من الاحيان اعتبارات سياسية وإنسانية كما يؤخذ في الحسبان التوزيع الجغرافي والعرقي الا أن فوز ملالا هذا العام له دلالات كثيرة. فمن ناحية التوقيت يأتي هذا التكريم كرسالة للتيارات والافكار المتطرفة التي قاومتها ملالا من حيث اصرارها على أن حق التعليم للفتيات هو حق انساني للجميع وخاصة المرأة.
من ناحية ثانية يأتي تكريم ملالا تكريما للشباب والذين يجب أن يتطلعوا دوما للتميز والانجاز العلمي الحديث بعيدا عن الافكار المتطرفة التي تهدف للسيطرة على الشباب ودفعهم نحو ساحات الحروب والتطرف.
بفوز ملالا تثبت الجائزة بأنها ليست حكرا على المخضرمين من اصحاب الانجازات الكبرى او الاختراعات المهمة، بل من له بصمة خالدة في ضمير العالم. ويمكن القول بأن الإمارات ساهمت مساهمة كبيرة في فوز ملالا. فلولا المساعدة الصحية التي قدمتها الإمارات ربما لما عاشت ملالا لتشهد هذه اللحظة.
وفي عالمنا العربي والاسلامي اليوم هناك الكثيرات من أمثال ملالا ممن يحتجن لتسليط الضوء على إنجازاتهن أو للأخذ بأيديهن للوصول الى قمة التميز المجتمعي والعلمي بعيدا عن ساحات التطرف والارهاب والاصولية.
فالمرأة هي نصف المجتمع وانجازاتها هي رصيد للمجتمع. لهذا يعد وضع المرأة مؤشرا مهما على رقي وتقدم المجتمع أو تأخره. فعلى الرغم مما انجزته المرأة العربية والمسلمة إلا أن هنالك لا تزال تيارات فكرية تحاول جر المرأة الى الوراء.
فلا تزال هناك تيارات وفرق تعتقد برجوع المرأة الى المنزل وتحرم مشاركتها في الحياة العامة بحجة أن خروجها من المنزل ومشاركتها في سوق العمل غير مقبول دينيا.
ولا تزال هناك تيارات فكرية تريد استحضار كل التقاليد والقيم التي جاء الاسلام ليلغيها أو يحرمها أو حتى يجرمها لتضع عوضا عنها تقاليد عفا عنها الزمان. كل هذه التناقضات نراها موجودة امامنا في المجتمعات الاسلامية، وهي في الكثير من الاحيان في تضارب وتناقض مع الاخر.
ففي مقابل التيارات التنويرية التي تدعم المرأة وتدفعها لكي تكون شريكا فاعلا في الحياة العامة نرى ايضا التيارات المتزمتة والتي تدفع بالمرأة الى الخلف وتحاول جرها بخيوط واهية الى العصور الداكنة.
هذا الاستحضار لا بد أنه يخدم أجندة معينة في داخل تلك المجتمعات وفي خارجها. فمما لا شك فيه أنه في داخل المجتمعات الاسلامية هنالك من له مصلحة في التخلف الذي يصيب المرأة.
وكما أن هناك من يرغب في أن يرى وضع المرأة متدنيا في الداخل لا شك وأن هناك في الخارج من يرغب في أن يرى وضع المرأة المسلمة متدنيا. فقد أصبحت قضية المرأة المسلمة من القضايا الاساسية التي تدخل كطرف في العديد من الملفات السياسية بين الدول لا سيما وأن المنظمات الحقوقية الدولية تنظر لهذه القضية كقضية اساسية على الساحة الدولية.
إن المرأة في المجتمعات الاسلامية اليوم باتت قضية جدلية في الداخل وفي الخارج، فداخليا باتت التيارات المتشددة تستخدم المرأة كورقة ضغط ايدلوجية ودينية، بينما باتت المنظمات الدولية تستخدم المرأة كورقة ضغط سياسية.
وبين هذه التيارات وتلك تظل قضية المرأة الحقيقية في المجتمعات الاسلامية كافة هي قضية انسانية وحقوق مدنية. فبدون إعطاء المرأة كافة حقوقها الانسانية ومعاملتها كإنسان كامل الاهلية لن تقوم لأي مجتمع أي قائمة.