بعد أن أغلق ملف ساجدة الريشاوي، قفز إلى سطح الأحداث سؤال مهم، ما الذي دفع بجماعة داعش للمطالبة بإطلاق سراحها بعد تنفيذ جريمتهم بحق الشهيد الطيار معاذ الكساسبة.
موقف محيّر للوهلة الأولى، والبحث عن محاولة إطلاق سراحها كان يقتضي جِدّية التفاوض مع الجانب الأردني، لكن المستغرب أن داعش دفعت بالموضوع للسطح رغم معرفتها أنها سترمي بها إلى حبل المشنقة كرد فعل على الجريمة، وهذا يعكس أن هنالك من تعمد الوصول لهذه النتيجة ضمن رؤية تحاول التخلص من عبء ملفها ومسؤولية الجماعة الإرهابية عنها.
ساجدة الريشاوي أول انتحارية أرسلها الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي إلى عمان في كسر غير مسبوق لمنهج التنظيم وعقيدته بإبعاد النساء عن حلقات الجهاد الأضيق خاصة وفكر الجماعة يضع النساء في درجات متأخرة في مفاهيم عقيدتهم وينحصر وجودها بالنصوص الشرعية ونظرتهم الدونية للمرأة في الفكر الإسلامي.
لم يكن للمرأة دور في الجهاد والمعارك على امتداد التاريخ الإسلامي، وكانت دائما خارج دائرة الحدث الرجالي بامتياز، والقلائل من النسوة اللواتي حاولنَ أخذ دور خارج إطار السائد أغفل التاريخ الحديث عنهنّ ومرّ على مشاركتهن مرور الكرام.
داعش التي دخلت في قطيعة فكرية مع تنظيم القاعدة واعتبرتها من المرجئة، تسعى لطمس كل مفاصل تاريخها الأسود ونجحت في استغلال خطف الرهينتين اليابانيين والطيار الأردني للدفع بكل جهد لغلق الملف وإخراج سائدة من دائرة الضوء مرة واحدة وللأبد.
رؤية دور المرأة في الجهاد شكّلَ معضلة أساسية في عقول شيوخ الجماعات الإرهابية، وكان الحديث يدور لفترة طويلة حول تكرار التجربة الأفغانية المتميزة بإبعاد النساء تماما عن ساحات الجهاد، لكن طول المدة وتشعب الساحات والظروف دفع للمطالبة بوجودهن كشرّ لا مفر منه، وتجربة داعش الجديدة بإدخالهن في الجماعة يعكس رؤية جديدة ومختلفة عن منهج تنظيم القاعدة.
المرأة الغائب الأكبر في الصورة التي يقدمها التنظيم الإرهابي عن واقعه والحديث عنها يكاد يكون من المحرمات والتسريبات التي لا قيمة لها المتاح الوحيد في الصمت الموشح بالسواد، مما يزيد الخوف والشكوك من تردي قيمة المرأة في صفوف الجماعة مع التأكيدات المتزايدة عن ارتدادها لمستوى الجواري والسبايا وجهاد النكاح.
داعش برؤية تعكس السقوط الأخلاقي والإنساني تغلق ملف الإرهابية ساجدة الريشاوي الضحية مرتين، الأولى بمن أرسلها لتفجر الفنادق في عمان، والثانية بمن دفع عمداً لإعدامها بعد أن ارتكبوا جريمتهم بحقّ الشهيد معاذ واستعملوها للإمعان في إهانة كرامة الشعب الأردني.
المرأة المتّشحة بالسواد المُهانة المطيّة، صورة قاتمة كئيبة تزيد من بؤس الصورة للمرأة في الإسلام التي تفنّن شيوخ الجهل في تعميق تعاستها وبؤسها وتحطيم صورتها المنكسرة أصلاً في مجتمعات تبدع بصياغات تستهين بالمرأة وكرامتها وإنسانيتها.