للأسف الشديد فقد ظهر في المجتمع الإسلامي الحالي مفهوم خطأ في التعامل مع القوامة، حيث أساء الرجل استخدام هذه القوامة التي أعطاه الله عز وجل إياها، ويعتبر نفسه الآمر والناهي في البيت من دون حدود لسلطته، وصار يفهم مفهوم القوامة بشكل لا تقبله الرجولة والمروءة فهو يلقي بالمسؤولية كاملة على المرأة، وهو يظل المتحكم الآمر الناهي، كما يتفنن في إصدار القوانين واستعراضها أمام الناس ليحافظ على مظهر رجولته.
للأسف القوامة لم تصبح بيد الرجل، بل أصبحت في يد المرأة، والدليل على ذلك أن الرجل حين يقدم على زواج فإنه يريد أن يخطب فتاة حاصلة على شهادة جامعية وموظفة وتحصل شهريا على راتب ولا يريدها أن تساعده في تحمل المسؤولية فقط بل لتتحمل هي المسؤولية كاملة، لدرجة أن أصبحت المرأة تضطر للنزول في منتصف الليل لتذهب بطفلها للطيب لأن زوجها لا يتحمل مثل هذا العناء حتى وصلت بها إلى تربية الأولاد ورعايتهم والإنفاق عليهم بمفردها دون مساعدة زوجها، وتخلى عن كل ذلك باستثناء استخدام القوة والعضلات، وقد يقف أمام تلك الزوجة نافشاً ريشه مستعرضاً عضلاته ليمنعها من التسوق مع صديقاتها أو الخروج لبعض الوقت مع زميلاتها، معتقداً فرد العضلات بأنها قوامة، والقوامة برأيه أمر ونهي وتسلط فقط.
لم يعد للرجل قوامة، ولكنه ما زال يحتفظ باسمه كرجل فقط.. فتحملت المرأة كل المسؤولية واحتفظ الرجل بالعصمة في يده، ولأن المرأة دائما ما تحافظ على بيتها ولا تريد أن تخربه بيدها فهي ترضى بذلك الوضع، بل إن الرجل لم يعد حتى يقوم بالتحكم أو السيطرة حتى يحافظ على بيته هو الآخر وحتى تظل المرأة تقوم بالمسؤولية التي تركها على عاتقها وحدها، فدور الرجل أصبح هامشيا في الحياة لم تعد القوامة ولم يعد التحكم ولا حتى التسلط عند بعض الرجال بيدهم، وأصبح كل ذلك في يد بعض النساء. فمن الرجال وهم كثر من يعتقد أنه يكون قواماً بالديكتاتورية والتمسك والتصلب في الرأي وحرمان الزوجة من المشاركة في الرأي وإهمال رأيها والابتعاد عن منهج الشورى والمرونة في الحياة الزوجية في حين أن القوامة ليس معناها التسلط والامتناع عن أخذ رأي الزوجة، فلا يمكن أن يأخذ الرجل خطوة في حياته من دون مشاركة لرأي زوجته فيها، ولا يعني هذا أيضاً فرض رأي تلك الزوجة على زوجها، لابد من المشاركة. والرجل الذي لا يتحمل مسؤولية الإنفاق على زوجته وبيته صاحب موقف ضعيف، ولا يمكن أن يكون له قوامة، حتى وإن أراد فلن تنفذ له كلمته وسيكون رأيه وقراره عن ضعف لا قوة، ويفقد احترامه ومنزلته كرجل مسؤول وهو تخلى عن مسؤوليته كرجل.
ربما يقول البعض إن بعض النساء قد سحبن بساط المسؤولية من تحت الرجل فهي التي ترعى الأسرة وتنفق على الأبناء، ومن أجلهم تراجع المدرسة والأطباء، ومن ثم صار الرجل شيئا فشيئا محدود المسؤولية وقد يسعد بعض الرجال بتلك الحالة من دون أن يشغل رأسه بهموم الأطفال ومشاكلهم التي لا تنتهي، وبصراحة المرأة هي السبب في ذلك، فقد أقحمت نفسها في كل المسؤوليات وخففت أعباء الرجل الواجبة عليه، بل وبعضهن جردن الرجل من مسؤولياته وواجباته، وقد تعتقد المرأة أنها مادامت تشارك في الإنفاق على الأسرة فإن قوامة الرجل تهتز ولا يتمتع بالقوة التي يتشبث بها، ومن ثم قد تجنح المرأة إلى التمرد على سلطة الرجل وتتعامل معه بشيء من الندية.. وذلك يفقد الأسرة استقرارها وأمانها.. ومن ثم تتهدد أركانها بالانهيار.
هناك نمط آخر من الرجال الذي يعترف بتحرير المرأة ويتخذه ذريعة ليتنازل تنازلا تاما عن كرامته ويعتبر أن مجرد الكلام عن القوامة تخلف ورجعية.
نتأسف على أولئك الرجال الذين قد لا يعلمون حتى في أي المراحل الدراسية يدرس أبناؤهم.. وهم كثر في هذا الزمان.. وطبيعي أن ترى هذه المشاهد اليومية.. هي تخرج كل يوم للعمل.. تؤديه على أكمل وجه.. وأثناء مباشرة عملها يدق هاتفها فترد على زوجها فيطلب منها أن تحضر كذا وكذا بعد مدتها من العمل.. لأنه متعب ومرهق أو ليس لديه الوقت لإحضار المستلزمات.. مشهد أصبح مألوفا في كثير من بلادنا العربية.. ليس هذا فحسب فقد يطلب الرجل مصروفا شخصيا من زوجته.. وتعود المرأة للبيت بعد يوم به الكثير من متاعب العمل لتخلع عباءة العمل وترتدي عباءة متعددة الأغراض، بالرغم من كل ذلك.. فهم متحكمون ومصدرون للقوانين والتي تكون من أجل نظرة المجتمع لهم فقط وبسبب اقتناعهم الداخلي.. ما جعل النساء يصرخن بلسان واحد.. الرجال تركوا القوامة لنا.. السؤال هنا.. ترى هل تراجع دور الرجل وترك القوامة بالكلية للمرأة كي يريح نفسه..؟!
الجواب: نعم.. الكثير الذين يحسبون أنهم من الرجال فعلوا ذلك للأسف.