قبل بضعة أيام كنتُ في إحدى العيادات، حيث عانيتُ وعكة صحية .. للمستغربين، نعم حتى الأطباء يصابون بالوعكات الصحية حفظكم الله من كل مكروه. اقتربت مني عاملة الاستقبال وسألتني عن اسمي وطلبي، وذكرت أن هناك عدة أطباء موجودين، على حسب خبراتهم، واختارت الوقت المناسب ثم طلبت مني الجلوس، ثم عادت ومعها استمارة تملؤها بالنيابة عني، لتبدأ بالأسئلة الخاصة بحالتي. وحال انتهائها وجدتُ كأساً من الماء البارد مع شاي يقدم إلي، وجلستُ أنتظر الطبيب حتى يأتي موعد كشفي. سمعتُ أحدهم يناديني ويربت على كتفي واستيقظتُ من نومي وقد كنت محموماً، ووجدتُ أنني كنت أحلم، لكني توجهت إلى أقرب مستوصف فربما أجد حلمي بالواقع.
ماذا تريد؟ وهل لديك ملف عندنا؟ وأين تسكن؟ هذه كانت كلمات عاملة الاستقبال، فظننتُ في حينها أن مرضي ضايقهم ووجودي ذكرهم بأنه حان وقت العمل، وعليهم أن يتوقفوا عن إرسال الرسائل النصية ومشاهدة الفيديوهات المضحكة على هواتفهم، ولكن سرعان ما تم استدعاء عامل النظافة لجلب ملفي الطبي .. يا للهول عامل النظافة يعرف كل أسراري الطبية. ثم أعطوني رقماً لا أذكره بالضبط، وصرخت الممرضة أن هناك طبيباً واحداً وأمامك 12 مريضاً، فانتظر.
جلستُ على أحد الكراسي التي أكل الدهر عليها وشرب، انهمكت في قراءة المسجات والإيميلات، أحاول أن أقيّم ما يدور حولي من ضجر المرضى المسنين والأطفال الذين يلهون ويلعبون في ردهة المستوصف، والشباب الذين يتحدثون عن حاجتهم لإجازة مرضية.
وهنا أتساءل هل تحولنا لأرقام وملفات، يُعامل المراجع وكأنه عبء على المستشفيات، ويضطر لأن يتحمل المعاناة من نقص عدد الأطباء والخدمات الصحية. كيف لطبيب أن يعالج هذا الكم من المرضى، ويتحمل ضريبة إجازة الأطباء الآخرين؟ إن المريض له حق، فقد جاء إلى المستوصف أو العيادة لأنه يحتاج هذه الخدمة التي حفظتها له الدولة. فالمرضى يحتاجون إلى الاحتواء بابتسامة وكلمة لطيفة.
كلنا نعلم أن المعاملة نصف العلاج إن لم يكن أكثر، ومن الضروري أن ندرب العاملين في القطاعات الصحية على مهارات خدمة العملاء. فلنرتقِ بالخدمات الصحية للدولة، فلا يضطر المريض لدفع تكاليف السفر الباهظة للسفر للخارج للعلاج. وختاماً لمديري المراكز الطبية، إن المريض يأتي للمركز لحاجة لذلك، فعاملوه بكل إنسانية، ولا تحوّلوا مرضاكم إلى أرقام وملفات.
* استشاري طب نفسي إماراتي