ربما لا يسيء أحد إلى قضية المرأة كما يفعل بعض المدافعين، والمدافعات، عنها بفعل النماذج التي يقدمونها، أو للدقة، التي يساهمون في تسويقها والترويج لها لـ (المرأة المَثل)..
باستحضار(النماذج النسائية) التي قدمت خلال السنوات الأخيرة، وتم الترويج لها،أو الدفاع عنها بكثرة،سيكتشف المتابع مدى التقاء أشد المعادين لحقوق المرأة تطرفاً مع أكثر المدافعين عنها ادعاءً، حين يختصر كلا الطرفين حرية المرأة بجسدها. فيتفقان ضمناً على أن المرأة مجرد جسد، نافين عنها،بقصد أو بضعف إدراك، كل قيمة إنسانية أو اجتماعية..
الأمر ليس حديثاً تماماً،ولا تسعفني الذاكرة في استعادة اسم الفيلم السينمائي المصري الذي ضم مشهداً بسيطاً ومعبّراً للغاية، لكني بعد أكثر من عشرين عاماً أشعر به بقوة كما لو أني شاهدته للتو، ففي ذلك المشهد تلوم شابة مصرية مثقفة زميلها المخرج على الأفلام التي يصنعونها بوفرة عن سير حياة كبار الراقصات الشرقيات، فتسأله بكثير من العتب المحب الناعم: «جعلتم تاريخنا كله تاريخ رقاصات..هو انتو شايفينا كده؟»..الأمر ليس حديثاً تماماً لكنه أخذ شكل ظاهرة في الآونة الأخيرة مع حملات إعلامية واسعة أدارتها وسائل الإعلام الغربية العملاقة، وانساق وراءها، دون انتباه، متنورون عرب وجدوا أنفسهم بحجة الحرية الشخصية يدافعون عن قاتلات، ومجرمات، ونساء فاقدات للقيم الإنسانية، ولمعاني الوفاء والنزاهة والصدق.في الوقت ذاته الذي يدفع فيه إلى الظل نساء عظيمات بالمعنى الحرفي للكلمة، أمضين حياتهن في عمل بطولي مستمر لأجل القيم التي آمن بها، ودافعن عنها، ومنهن من قدمت حياتها لأجل ذلك..
لن أذكر أسماءً لأني لا أريد أن أساهم في تكريس تلك النماذج المشوهة والمزيفة، وبعضها ظهرت كفقاعات الماء، ولا بد أن تزول مثلها مهما روج لها إعلامياً، ومهما أطنب مزيفون في الحديث عنها، وعن (إبداعاتها)، ومهما نالت (عن مواقفها) من جوائز تفتقد بدورها إلى أدنى درجات المصداقية. ذلك أن انتقاد تلك الحالات، وحتى محاولة كشف الغطاء عن حقيقتها يخدم مسعى الترويج لها الذي يعتمد تكرار الاسم، لا محاكمة العقل. وهي وسيلة أثبتت نجاحها في زمن السرعة والتسرع، والاهتمام بالعناوين، والنأي عن المضامين..ففي هذا السياق المغيب للتفكير، تم تحويل زوجة قاتلة إلى رمز للحرية، وتحويل شهيدة حرية (مثل راشيل كوري) إلى مريضة نفسية..
هذه الحالة شجعت صغاراً، وصغيرات، بالمعنى الإنساني والمعرفي والإبداعي والأخلاقي، للتطاول على قامات إنسانية وثقافية شامخة وراسخة،بنت سمعتها بعمل إنساني حقيقي، وسلوك أخلاقي مترفع عن الصغائر، وما كان لأحد يحترم ذاته أن يتجرأ على التطاول على قاماتهم،ولكن كيف يحترم ذاته من صنعت ذاته من الوهم والنفاق والتزييف والتملق؟..وكيف لا يستخف بجهد الآخرين من لا يفعل شيئاً مفيداً في منحى من مناحي الحياة، لا لأنه لا يملك وإنما لأنه لا يرغب في بذل جهد يستطيع من دونه تحقيق ما يشاء : شهرة.. أو سواها!!
في الطرف المغاير للأوهام التي يسوقها لنا الإعلام المهيمن،ثمة ملايين من النساء السوريات اللاتي تستحق التقدير العميق، والتعاطف الكبير. أولئك اللاتي يواجهن بكل شجاعة أقسى ما يمكن أن تتعرض له امرأة. وقد كنّ موضوع محاضرة قيمة قدمتها الدكتورة أيسر ميداني قبل أيام قليلة تحدثت فيها عن الحرب التي تشن ضد المرأة السورية لكسر عنفوانها، وتهميش دورها، وسلبها المكانة التي نالتها في مجتمعها عبر تعريضها لأقسى حالات الاضطهاد. في تلك المحاضرة التي عرضت فيها الدكتورة لواقع المرأة السورية على خلفية الأحداث التاريخية الكبرى التي عصفت ببلادنا منذ (سايكس- بيكو)، توقفت المحاضرة عند حقيقة تحمل المرأة السورية لمعظم نتائج الأزمة، ومن ثم عند الدور المفصلي لها في أي انطلاقة جديدة..
وهو أمر يتطلب تغيير كثير من المفاهيم..والقوانين..