يخطو المخرج المصري محمد خان في احدث افلامه (فتاة المصنع)، منحى جديدا فى مسيرته السينمائية المديدة، حيث يعبر بأسلوبيته المعهودة عن رؤيته لعوالم المرأة البسيطة والمهمشة في بيئته المصرية، بمستوى لائق من الخبرة والدراية التي سلكها منذ بداياته الاولى في منتصف عقد السبعينات من القرن الفائت، وتتدرجت معه وصولا الى ذروة اشتغالاته السينمائية والدرامية .
يشكل الفيلم الجديد تجربة فنية مبتكرة يصوغ فيها خان بأسلوبية السينما المستقلة والتي يتعاون في انجازها مع كاتبة السيناريو وسام سليمان ليخوضا معا في شواغل وداخليات نساء من اعمار متفاوتة يعملن داخل مصنع ملابس، فهناك الفتاة المراهقة والتي تندمج مع مجموعة الفتيات الشابات اللواتي يتطلعن الدخول الى بيت الزوجية رغم اوضاعهن الصعبة .
تمتزج كل هذه التلاوين من النساء في غمار احداث الفيلم - توجه النقاد بجائزتهم الدولية (الفيبرسي) في مهرجان دبي السينمائي الاخير اضافة الى جائزة افضل ممثلة- ببساطة وهي تدور في إيقاع خاص يعلي من شأن تجربة الفيلم كعمل يزاوج بين الواقعية والتسجيلية متخم بالشخصيات النسائية بمنأي عن المناداة والانحياز المباشر لتطلعات ومطالب نسوية بقدر ما يصور بالتزام بلعبة درامية متينة تتسم بذكاء وفطنة المخرج في التنقل بين مواقف وحالات بطلاته الممتلئات املا ودعابة وحيوية رغم قتامة الواقع .
تتوارى الاحداث العصيبة التي تعيشها مصر حاليا بين ثنايا الفيلم ويؤثر خان ان يبرزها للمتلقي بحيادية في مشهد عابر ولئن بدا اشبه ببصيص امل لتلك الارواح التي تترقب لحظة التغيير في حيواتهن الخاصة على الاقل حيث الحب والزواج والاستقرار والبحث عن العدالة الاجتماعية في اتون بيئة تتهيأ لاحتضان تحولات سياسية واجتماعية عصيبة لا تلبث كاميرا المخرج ان تنأى عن الاقتراب منها لتدع مألاتها للمستقبل القريب .
يتلطف خان بشخصياته وعلى نحو خاص بالرجل الذي يبدو سلبيا في علاقته مع المرأة ويصوره خان بانه على غرار فتيات المصنع ضحية المجتمع وتركيبته ونظرته القاصرة وغير المنصفة للمرأة او الى تلك الشريحة البسيطة والمحدودة الامكانات ففي الفيلم اكثر من عينة من تلك النماذج الا ان الاحداث تبقى متأصلة في البحث عن لحظات الأمل المنشود في القدرة على الانفلات من اطواق الفقر واللوعة والصدمات.
يسترجع خان في شريط صوت العمل الوانا من الاغنيات بصوت سعاد حسني التي اهدى الفيلم تحية لها وهو ما عمل على اضفاء البهجة على احداثه المحملة بلحظات الصد والفقد والضياع والتهور.
غالبا ما يختار خان احداث افلامه في فترات تشهد بشائر تحول وتغيير فهو تنقل من زمن الانفتاح الاقتصادي والمناداة بالتحرر والانعتاق من سلوكيات سياسية واجتماعية وثقافية كما في (مشوار عمر) و(سوبر ماركت) و(نصف ارنب) و(احلام هند وكاميليا) و(عبدالناصر) و(السادات) وصولا الى ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي في (فتاة المصنع) حيث ملامح من التخبط والفوضى التي تعصف ﺑاحلام المهمشين.
يعد المخرج خان (71) عاما، من بين أبرز صناع السينما العربية الجديدة، ويتميز باسلوبيته التي ابتدعها منذ افلامه الاولى : (الحريف)، (مشوار عمر) ، (فارس المدينة) واستمرت معه بافلام: (احلام هند وكاميليا) و(خرج ولم يعد) وصولا الى ثلاثيته الجديدة: (بنات وسط البلد)، (في شقة مصر الجديدة)، و(فتاة المصنع ).