قصة هزت أبو ظبي أخيرا.. تقول الرواية الرسمية إن امرأة منقبة لحقت بفتاة أمريكية إلى الحمامات وقتلتها، ثم حاولت أن تزرع مجموعة من العبوات الناسفة أمام منزل طبيب أمريكي مسلم، لكن أمرها انكشف وتم اعتقالها خلال 24 ساعة.
لقد أدت العملية إلى هروب جماعي للأمريكيين من الإمارات، وهز نظرية الأمن والأمان التي يفتخر بها حكام الدولة وهم يحتفلون بعيد الاستقلال الثالث والأربعين. لعل هذه الحادثة تفتح المجال أمام العرب والمسلمين، لبحث موضوع النقاب ومدى ملاءمته للعصر، خاصة مع انتشار ظاهرة الإرهاب والتطرف وتكنولوجيا المعلومات، التي تسهل عمل عصابات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر، وانتشار دور البغاء المقننة أحيانا تحت أسماء محلات التدليك أو التخسيس. وهذه ليست الجريمة الأولى التي يكشف عنها من قبل أناس يختبئون وراء النقاب، رجالا ونساء. وقد جمعت عينة من تلك الجرائم التي نشر عنها أو تداولتها الأخبار أو مواقع التواصل الاجتماعي، من بينها فتيات منقبات دخلن الامتحان بدل فتيات أخريات، أو دخول رجال منقبين لأماكن مخصصة للنساء، كالأعراس والحمامات، بل قبض على رجال منقبين يتسللون إلى بيوت عشيقات لهم تحت ستر النقاب، وقبض على فتيات منقبات في أحد البلدان المحافظة يتعاطين الرذيلة في شقة في عمارة سكنية، وتم رصد الشقة وتبين أنها تستخدم لهذه الآفة. ولذا فإنني أتمنى أن يمنع النقاب قريبا، باعتباره انتهاكا لقانون الصالح العام وخطرا أمنيا، ولديّ جدالات عديدة تستدعي مثل هذا القرار الشجاع، كما فعلت بعض الدول الأوروبية. ولا يخلطـن أحد بين حرية التعبير التي أدافع عنها ولبس النقاب، فحرية التعبير تتوقف عندما تهدد الصالح العام وتؤذي الأبرياء وتلحق الضرر بالأمن وتصبح ساترا لجرائم عديدة.
الأسباب الدينية
يتفق معظم العلماء على أن النقاب أو الخمار أو البرقع أو اللثام أو النصيف الذي يغطي الوجه تماما أو يترك فتحة صغيرة للعينين ليس من الدين في شيء، بل هو عادة متبعة تعكس مدى سيطرة المجتمع الذكوري وفرض رؤيته الشوفينية المتخلفة على المرأة. فكل ما ورد في القرآن الكريم يشير صراحة أو كناية على أن وجه المرأة مكشوف، بل يجب أن يبقى مكشوفا. فالآية الكريمة التي تقول «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم»، تعني أن الوجه مكشوف وعلى المؤمن ألا يديم «البحلقة» فيه، ولو كان مغطى دائما لتم تعطيل إعمال الآية. أما آية «يدنين عليهن جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين»، تكاد تنص صراحة على أن معرفة المرأة قد يحميها من الأذى، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا بكشف وجهها كي يعرفها الناس ويتجنبوا إلحاق أي أذى بها، لأنها فلانة بنت فلان. والجلابيب وإطالتها لا تتعلق بالوجة وتغطيته، بل تتعلق بعادة الخروج إلى الخلاء لقضاء الحاجة، في زمن انعدمت فيه دورات المياة. والشيء نفسه ينطبق على الآية «وليضربن بخمرهن على جيبوهن»، فلم يذكر أحد أن الجيوب المطلوب تغطيتها تشمل الوجه، لأن جيوب الجسم معروفة ولا مجال لشرحها. فتغطية الوجه كاملا ليس من السنة في شيء، بل هو تنميط للمرأة ومسخ لها وتحويلها إلى كومة من اللحم لا عقل لها ولا شخصية ولا كيان ولا وجود. لكن المؤسف أن كثيرا من أصحاب الفتاوى، وإمعانا في تحقير المرأة واضطهادها، جعلوها مادة دسمة لفتاواهم، فلا يتركون فيها شيئا إلا أفتوا فيه، فكل ما فيها عورة ويجوز ضربها وتطليقها بسبب أو بدون سبب، وتمادى بعضهم في هذا النسق من الفتاوى مثل إرضاع الكبير ومفاخذة الطفلة وزواج القاصر ونكاح المرأة بعد موتها، وغير ذلك مما يملأ أثير الفضائيات.
الأسباب الأمنية
لقد تطورت التكنولوجيا الأمنية بشكل لم يسبق له مثيل، خاصة في الولايات المتحدة على إثر أحداث 11 سبتمبر 2011. زرعت الكاميرات وأجهزة التنصت في الساحات العامة والمؤسسات الكبرى والبنوك والدوائر الرسمية. وكثير من الجرائم تم اكتشاف مرتكبيها بعد مراجعة الأفلام المسجلة، كما حدث في جريمة قتل المبحوح في دبي. لكن هذه التقنية تتعطل مع المنقبات والمنقبين. فمن السهل على من يريد أن يخبئ شخصيته أثناء ارتكاب جريمة أن يلتف بملحفة سوداء، ويبرقع الوجه بشكل كامل ويمضي قدما في ارتكاب الجريمة، ولا أحد يعترض طريقه لأن الانطباع السائد أن الشخص المنقب أنثى متزمتة في الدين لا تقبل أن يسائلها أحد، أو يتجرأ على طلب أوراقها. وقد يختفي تحت البرقع إرهابي، أو مجرم، أو شخص فارّ من العدالة، أو امرأة سوء تعمل في التهريب أو المخدرات أو الدعارة أو تجنيد الإرهابيين. فكيف يتم الكشف عن هؤلاء، رجالا ونساء، إذا ما اختبأوا وراء برقع أسود وملابس سوداء وكفوف بيضاء لا تترك بصمات على مكان الجريمة، ولا تستطيع الكاميرا أن تحدد معالم الشخص ولا شاهد العيان أن يصف المجرم إلا بمواصفات خارجية، كالطول والحجم، وهي أوصاف غير كافية لتحديد هوية المجرم. آفة الإرهاب والتفجيرات الانتحارية والأجساد المفخخة التي نشأت في أفغانستان وباكستان انتشرت الآن في أكثر الأقطار العربية والإسلامية، ولا يكاد يمر يوم بدون أن نسمع عن تفجير انتحاري يودي بحياة الكثير من الأبرياء، وبعض هذه التفجيرات، خاصة في العراق وسوريا كانت من فعل نساء منقبات كان وصولهن للهدف أسهل بكثير مما لو كن سافرات الوجوه. إن منع النقاب أصبح ضرورة أمنية لحماية أمن الوطن والمواطن.
الأسباب الاجتماعية
إن تهميش المرأة آفة اجتماعية لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات. فبعد سيطرة المجتمع الذكوري على وسائل الإنتاج وتحويل القوة الاقتصادية إلى قوة اجتماعية أصبح الأغنياء يمتلكون أرضا أكثر وخيولا وقطعانا وبيوتا أكثر ثم نساء أكثر. فمن يملك المال يتحكم في مصادر القوة ويحولها إلى مركز اجتماعي ويزيد من حظوظه في امتلاك ما شاء من نساء، وكأنهن القطيع. في منطقة الزولو بجنوب أفريقيا يستطيع الغني أن يشتري امرأة بسبع بقرات ولا حدود لعدد النساء اللواتي يشتريهن. وفي الهند تدفع المرأة مهرا باهظا، وكانت إذا مات زوجها دفنت معه، فلا حياة لها بدون زوجها. لقد ظل الرجل لعقود طويلة يعتبرالمرأة جزءا من أملاكه يغلفها ويبيعها ويشتريها ويضربها ويقبرها إن شاء وليس لها من إمرها شيء. وقيل في التراث العربي إن المرأة لا تخرج من بيت أبيها إلا إلى بيت زوجها ومن بيت زوجها إلى القبر. ولا عجب أن نرى الجماعات المتطرفة والإرهابية تعارض تعليم المرأة بالمطلق، على أساس أن التعليم مضر لها، والمكان المناسب للمرأة هو المطبخ أو السرير أو غرفة الولادة، وبوكو حرام عينة من هذه العقلية.
لقد جاء الإسلام حقيقة ليعطي المرأة الكثير من الحقوق، خاصة الميراث والتملك والتجارة والتعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة وتولى المسؤوليات والمشاركة في الحروب بدون إذن من زوجها. لكن سرعان ما تراجعت تلك الحقوق وعادت المرأة للبيت بعد أن انتشرت القيان والغواني والمغنيات والراقصات.
الأسباب السياسية
الحقيقة أن للسياسة نصيبا أكبر في تخمير المرأة وبرقعتها. فكلما أغرق النظام في تخلفه، وجدت النقاب منتشرا أكثر. فهل من تفسير علمي لهذه الظاهرة؟ لماذا تكثر المنقبات في دول الخليح وتقل في شمال أفريقيا وتركيا وماليزيا.
نشرت إحصائية حول لباس الرأس للمرأة في سبع دول إسلامية: تونس ومصر وتركيا والعراق ولبنان وباكستان والسعودية، وتبين أن النقاب نادر الاستعمال وأن نسبة مرتديات النقاب في السعودية تصل إلى 11٪ يليها العراق بنسبة 4٪ فباكستان بنسبة 3٪ وتركيا بنسبة صفر ٪. بينما ترتفع نسبة المبرقعات اللواتي يكشفن فقط عن عيونهن لتصل في السعودية إلى 63٪ وباكستان 32٪ ومصر 9٪. وفي الخط الثالث لابسات الشادور أو «العباية» فترتفع النسبة في مصر إلى 20٪ والعراق تصل النسبة إلى 32٪ وباكستان إلى 31٪. أما النوع الرابع من غطاء الرأس وهو ما يمكن أن نسميه الغطاء الشرعي الذي يظهر الوجه كاملا بدون أن يظهر الشعر فتصل النسبة في تونس إلى 57٪ ومصر 52٪ وتركيا 46٪ والعراق 44٪ ولبنان 32٪. وفي الموقع الرابع حجاب خفيف يظهر جزءا من الشعر تصل النسبة في تونس 23٪ ومصر 13٪ وتركيا 17٪ وأخيرا السفور الكامل فلا يحظى إلا بنسب عالية في تونس 15٪ وتركيا 32٪ ولبنان 49٪. إن معدل من يلبسن النقاب في الدول السبع لا يتجاوز 2٪ فقرار منعه لا يؤذي نحو 98٪ من النساء وإذا منع البرقع الذي يترك فتحة للعينين أيضا فترتفع النسبة إلى 10٪ أي أن 90٪ من النساء لا يتأثرن.
الحقيقة أن النقاب جزء من تهميش المرأة وتغليفها، وبالتالي فرض حالة من الشلل على نصف المجتمع. أما النصف الثاني من الرجال فليسوا كلهم من المنتجين والمثقفين وقيادات الفكـــر والعلم. فلا تزيد نسبة هؤلاء عن 10٪ من أي مجتمع، ناهيك عن الدول المتخلفة أصلا. فالنقاب إذن طريق للهيمنة وتهميش لنصف المجتمع كجزء من المحافظة على النظام السلطوي.
وأخيرا فإن صيانة المرأة وحفظ كرامتها لا يمكن أن يمرعبر غطاء الوجه، بل عبر كشف غطاء العقل. نحن نعيش في زمـــن تتسابق فيه العقول على الإبداع كما يتسابق الرياضيـــون في الألعاب الأولمبية، بحيث لا يأخذ الميدالية الذهبـــية إلا الأسرع أو الأقـــوى. إن التعليم والتربية الصحيحة التي تبدأ من الرجل العربي المزدوج الشخصية هـــي الحـــل لهــذه الأزمة وليس الإمعان في تغليف جسم المرأة وتهميشها والتمييز ضدها. آن الأوان للمرأة أن تتخلى عن النقاب وتتقدم الصفوف للوصول إلى مقصورة القيادة.
٭ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك