من أشد أنواع الإساءة النفسية قسوة على المرأة أنّه بعد زواجها بموافقة والدها, تُفاجأ بعد وفاته ,صدور صك من المحكمة بتطليقها من زوجها أبي أطفالها لعدم الكفاءة في النسب رغمًا عنها, ودون علمها لرفع أحد إخوتها, أو أبناء عمومتها دعوى للقضاء بعدم كفاءة زوجها لها في النسب, بل تُفاجأ باقتحام الشرطة لها هي وزوجها للقبض عليهما بتهمة الخلوة غير الشرعية لصدور صك من المحكمة بتطليقها من زوجها, وتودع هي وزوجها في السجن, وترتب على هذا هروب بعض الأزواج بزوجاتهم وأطفالهم, وتنقلهم في المدن والقرى لعدم تنفيذ حكم التفرقة بينهم, ويُحرم الأولاد من الدراسة في المدارس ويعيش الزوجان على إعانات المحسنين, إضافة إلى الإساءة النفسية والمادية للأولاد عندما يُحكم على والديهما بالانفصال لعدم كفاءة نسب أبيهم لنسب أمهم, وهم يحملون هذا النسب!
والتطليق لعدم الكفاءة في النسب عرف قبلي جاهلي لا يمتّ للدين بصلة, لأنّ مقياس الأفضلية في الإسلام التقوى, وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن القبلية, وقال:" دعوها فإنّها منتنة", ولكن لموروثات فكرية وثقافية نجد بعض الفقهاء أباحوا التطليق لعدم الكفاءة في النسب مستندين على أحاديث موضوعة ومُنكرة؛ إذ نجد مثلًا في أحد صكوك فسخ النكاح لعدم الكفاءة في النسب, نقلًا بالنص ما كتبه السرخسي الحنفي في مبسوطه, وبنى حكمه عليه, مع العلم أنّ الأحاديث التي استند عليها السرخسي أحاديث موضوعة وضعيفة, وواردة في كتب الموضوعات, وهي:
1.حديث" العرب أَكْفَاء بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة، وحيٌّ لحيٍّ، ورجل لرجل إلا حائك أو حجام " رواه الحاكم وله ألفاظ أخرى لا يصح منها شيء، وإن قال بعضهم: إنَّ الحاكم صححه، وماذا عسى يغني تصحيح الحاكم، وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عنه، فقال: هذا كذب لا أصل له، وقال في موضع آخر: باطل ، وقال ابن عبد البر: هذا منكر موضوع، ورد عن وضع هذا الحديث وضعفه في ص 940 من الجزء الثاني من كتاب علل الحديث لعبد الرحمن الرازي, الناشر مكتبة الخانجي, قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ولم يثبت في اعتبار الكفاءة في النسب حديث.
2."العرب بعضهم أكفاء بعض، والموالي بعضهم أكفاء بعض" أخرجه البزّاز من حديث معاذ رفعه فإسناده ضعيف ، لقد ورد في الصحيح ما يدل على فضل العرب، وفضل قريش على العرب وفضل بني هاشم على قريش، ولكن لم يرد ذلك في أمر الكفاءة.
وقد ضعّفه الإمام أحمد بن حنبل، وعندما قيل له: كيف تأخذ به وأنت تضعفه ؟ قال العمل عليه ،يعني أنّه ورد موافقاً لأهل العرف.[ابن قدامة : المغني 377/7، المكتبة التجارية، مكة المكرمة ،الطبعة الثانية ،عام 1417هـ / 1977م.]
3. حديث: "لا يزوج النساء إلاّ الأولياء، ولا يُزوجنّ إلاّ من الأكفاء" فقد رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه لكن في إسناده الحجاج بن أرطأة، قال عنه الحافظ ابن حجر: صدوق كثير الخطأ والتدليس. وورد عن طريق مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطأة عن جابر رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح النساء إلا الأكفاء ولا يزوجهن إلا الأولياء, ولا مهر دون عشرة دراهم"
قال أبو أحمد بن عدي: هذا الحديث مع اختلاف ألفاظه في المتون واختلاف إسناده باطل كله, لا يرويه إلّا مبشر, قال أحمد: مبشر ليس بشيء, أحاديثه موضوعات كذب, يضع الحديث, وقال الدار قطني: يكذب, وقال ابن حبّان: يروي عن الثقات الموضوعات [ابن الجوزي: كتاب الموضوعات من الأحاديث المرفوعات, ص 495, دار ابن حزم, ط1, 1429هـ – 2008م] وقال السيوطي في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة:" قال أحمد مبشر أحاديثه موضوعة كذاب, وقال ابن عدي هذا الحديث أخرجه مع اختلاف ألفاظه واختلاف إسناده باطل كل لا يرويه إلا مبشر وهو كذّاب يضع الحديث [ كتاب النكاح: ص 165]
4. نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حديث لم يقله, هو" النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته".
إنّ ما أدلى به أحد القضاة لجريدة الحياة في 18/9/2013 بأنّ وزارة العدل تدرس توحيد الأحكام القضائية في 150 قضية, بناءً على طلب سماحة المفتي, من ضمنها قضايا التطليق لعدم الكفاءة في النسب, لم يُشر إلى استناد بعض القضاة على أحاديث ضعيفة وموضوعة في أحقية ولي أمر المرأة المتزوجة بفسخ عقد نكاح أخته، أو ابنة عمه من زوجها في حال عدم وجود كفاءة في النسب دفعاً للعار" مع أنّ هذه القضايا تُرفع من أحد إخوة الفتاة أو أحد أبناء عمومتها بعد وفاة الأب الذي تمّ الزواج بموافقته, بل نجد بعض القضايا رفعها أحد الإخوة, والأب على قيد الحياة, ورُفضت الدعوى, وبعد وفاة الأب رفع الأخ ذاته دعوى التطليق, وعلى الرغم من ثبوت معارضة الأب في الحكم السابق إلّا أنّ القاضي أمر بفسخ عقد النكاح!