سنوات قليلة قبل بداية الخراب العربي ورفع راياته، كان الحوار قد تقدم في الكثير من الدول العربية والإسلامية حول الصيغ القانونية الأكثر تطورا لمنع كل أشكال انتهاكات حقوق المرأة والطفل في مجتمعاتنا، مع تنامي الوعي بضرورة القطع مع الموروث الثقافي والاجتماعي الذي جسد انتهاكات خطيرة لحقوقهم.
الزواج المبكر وتجريمه والاعتداء على حقوق القاصرات من المواضيع التي نالت الكثير من الحوار بين أطياف المجتمعات التي وعت مخاطر هذه الممارسات على الحياة النفسية والصحية للفتيات الصغيرات اللواتي يختطفن من عالم الطفولة وينقلن لعالم النساء دون اعتبار لحقائق توضح خطورة هذه الممارسات الإجرامية.
بعد انقلاب حركة حماس في غزة عادت ظاهرة زواج القصر للانتشار مع جرها للكوارث والمصائب على القطاع، فعادت أزمات مفاهيم الأخلاق في المجتمعات المغلقة ودفعت الأزمات الاقتصادية التي أنتجتها حماقاتها في العودة للبحث عن سبل تزويج الفتيات للتخلص من مسؤوليتهم المادية والاجتماعية.
مع عودة التطرف الإسلامي للانتشار في المجتمعات التي شهدت نكبات الخراب العربي والهجرات التي جرتها على عديد الدول وسياسة التفقير المعتمدة لفرض إذلال الناس والقبول بالخضوع لحكمهم، عادت جريمة تزويج القاصرات لتطل برأسها في كثير من المجتمعات ناقضة كل القوانين والتشريعات التي وضعت لحماية الطفولة ومرتكزة على تفاصيل في تاريخ إسلامي فيه الكثير من الخزي والاحتقار للمرأة، ولصورة مازالت تراود العقل العربي بالعودة لتاريخ الجواري والعبيد وبطولات السبي مع فارق بسيط أن هؤلاء اللواتي انتهكت طفولتهن لسن جزءا من التاريخ.
الجمعيات الإسلامية التي هبت لنصرة لاجئي سوريا أخذت على عاتقها تحويل الكثير من الفتيات القاصرات لسوق الدعارة الشرعي، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية لهذه العائلات التي فقدت كل شيء واحتضنتها مخيمات اللاجئين، وانتشر تزويج الفتيات لرجال في أعمار مختلفة وخاصة المتقدمين في السن، فيما يعتبروه تمسكا بالسنة النبوية وتكرارا لزواج السيدة عائشة، واستغلت هذه الجمعيات بأبشع الطرق ظروف اللاجئين للعبث بكرامة ومصير الكثير من القاصرات وتحويلهن لبغايا شرعيات يتسلى بهنّ رجال في أخر مراحل العمر.
أزمة المتأسلمين الجدد محاولة لتكرار بعض صور التاريخ دون اعتبار للتغيير الذي صنعته الحضارة والزمن والذين هم في نقيض كامل معها، دفع بهم لإعادة إحياء كل ما تم تجاوزه للخروج من قوانين الجهل والتخلف والسير نحو مجتمعات تتعامل بقوانين أكثر عدالة ومساواة مع المرأة، وعلى أمل إعادة التاريخ إلى الوراء والانغماس مجددا في حكاية أسواق النخاسة والجواري والعبيد وما ملكت إيمانكم، وكل ما يجسد احتقار المرأة في التاريخ العربي والإسلامي.
لم تكتفِ جماعات الإسلام السياسي بما فعلته في دول الخراب العربي وتمادت عبر شبكة مؤسساتها المسماة "خيرية" في ارتكاب الجرائم بحق القاصرات المشردات في دول اللجوء وعوض فتح مدارس ودور رعاية لهن، تحولت لدور دعارة وتجارة رقيق أبيض بتزويجهنّ لشيوخ في عمر أجدادهنّ تحت مسمى الدين وأسوة بالسنة النبوية والتي لم يعرفوا منها غير ذلك.