119 سيدة فقط كان لديهن الاستعداد للتردد على مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي للإفصاح عن طبيعة العنف الجنسي الذي تعرضن له من بعد الثورة حتى عام 2014.
والعنف الجنسي كما يعرفه المركز، هو أي فعل أو محاولة لإتيان فعل جنسي، كتعليقات جنسية غير مرغوب فيها، أو الإقدام على أفعال جنسية بالإكراه، متضمنة العنف الجنسي في المنزل أو مكان العمل أو الأماكن العامة.
لم تكن تعرف، بهية حسن*، البالغة من العمر 20 عاما، أن تعرضها للتحرش الجنسي في الشارع سيتسبب في تدهور حالتها النفسية ويجعلها عدوانية تجاه كل من حولها، معتبرة أن أزمتها الحقيقية في ردود أفعال الآخرين بمن فيهم والدها، فهي تسكن في حي شعبي ينحاز بطبيعته إلى الذكور، على حد قولها.
وتواجه بهية التحرش في الشوارع والمواصلات العامة، قائلة "طول الوقت باتعرض للتحرش لدرجة إني بامشي اتلفت حواليا وباحلم بكوابيس من كتر الخوف"، فلم يعد لديها أمل في الحصول على حقها خاصة أن والدها يحملها مسؤولية هذا الفعل لعدم ارتدائها الحجاب مثلما أوضحت.
وظلت بهية تعاني من حالة اضطراب بعد أن فقدت الثقة في الآخرين، إلى أن اصطحبها والدها لطبيب نفسي، إلا أن العلاج الذي تلقته لم يحسن من حالتها النفسية، على حد قولها، لأنه "مجرد منوم" ينتهي تأثيره بالاستيقاظ.
وبدأت بهية تتردد على مركز النديم بعدما قرأت عنه من خلال الإنترنت، معتبرة أن جلسات التأهيل النفسي تساعدها نوعا ما على استعادة ثقتها في نفسها، ورأت أنها الخطوة "الأهم" في حياتها، لكنها تعي أن الأمر يحتاج إلى وقت طويل.
وأوضحت دراسة أصدرها مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي، الشهر الماضي، من واقع تجربته مع الناجيات من العنف من المترددات على برنامج دعم النساء بالمركز، أن هناك زيادة نسبية منذ عام 2011 في نسبة المتعرضات للعنف الجنسي مقارنة بالسنوات التي سبقته، تبعها ارتفاع شديد في عام 2013.
وبحسب مركز النديم تعرضت 25 سيدة للعنف الجنسي في عام 2011، و24 سيدة في عام 2012، و50 سيدة في عام 2013، و20 سيدة في عام 2014.
فاطمة أحمد*، البالغة من العمر 16 عاما، تعرضت لحادث اغتصاب من أحد أقاربها وهي في المرحلة الابتدائية، لكنها لم تبلغ والديها خوفا من رد فعلهما، قائلة "ما فرحتش ولا مرة من يومها والقصة بتفاصيلها مش بتفارقني".
وبدأت فاطمة مرحلة إعادة التأهيل منذ عامين، إلا أنها مازالت تشعر بالعار داخلها لما ستجلبه على أهلها من فضيحة على حد تعبيرها، لكن ما يؤرقها هو عدم قدرتها على الثأر لنفسها والحصول على حقها خوفا من العائلة.
وقالت فاطمة "لو كنت حكيت لأمي كنت ارتحت بس الخوف منعني طول الفترة ديه"، مشيرة إلى أن ترددها على مركز النديم شجعها على الإفصاح عما تعرضت له لوالدتها، مما ساعدها كثيرا على التخلص من جزء كبير من مشكلتها.
لم يكن الخوف من ردود فعل المجتمع هو الإشكالية الوحيدة التي تقف أمام المتعرضات للعنف للإبلاغ عنه، إذ مثل شعورهن بالعجز عن استرداد حقهن سببا آخر في الصمت على هذا العنف، مثل حالة سناء صفوت*، البالغة من العمر 23 عاما.
تزوجت سناء منذ ثلاث سنوات لكنها لم تعرف أن الكثير من العنف الجسدي ينتظرها، قائلة "جوزي بيضربني تقريبا من شهر العسل، ويعاشرني بعنف شديد"، معتبرة أن الطلاق هو الحل الوحيد لإنهاء "مأساتها" خاصة أن القانون لن ينصفها، على حد قولها.
وأضافت سناء "في الأول أمي وأبويا قالولي عششي على بيتك، لكن بعد تدهور صحتي خدوني معاهم أنا والعيال لأن جوزي مش بيتغير"، موضحة أنها لن تحصل على الطلاق للضرر إلا بموافقة الكنيسة.
ورأت سناء أن فكرة إعادة التأهيل مهمة جدا بالنسبة لها خاصة في ظل صعوبة حصولها على الطلاق، فهي لم تعد تخجل من الحديث عن مشكلتها، مؤكدة أن ما عاشته مع زوجها هو "الجحيم" بعينه.
وكانت النسبة الغالبة من الناجيات من العنف المترددات على المركز من المصريات، في حين بلغت نسبة المترددات من جنسيات أخرى 13%.
ومن الواضح، حسب دراسة أعدها مركز النديم، أن الفئة العمرية أقل من 18 عاما هي الأكثر عرضة للعنف الجسدي بنسبة 36%، تليها الفئة العمرية من 19 إلى 25 عاما بنسبة 26%، في حين أن 25% من ضحايا العنف الجسدي ما بين 26 إلى 35 عاما، و9% منهن ما بين 36 إلى 45 عاما، وكانت النسبة الأقل عرضة للعنف في الفئة العمرية أكبر من 46 عاما بنسبة 4%.
إعادة تأهيل الناجيات من العنف الجنسي ليس أمرا سهلا، بل يستغرق وقتا طويلا من العلاج النفسي وربما العضوي إذا استدعى الأمر، حسب الدكتورة ماجدة عدلي، مدير مركز النديم للتأهيل والعلاج النفسي، مشيرة إلى أن مصر يوجد بها 8 دور لتأهيل النساء تابعين للحكومة لا تزيد مدة الاستضافة فيها عن ثلاثة أشهر للنساء اللاتي تعرضن للعنف وهي فترة غير كافية للعلاج، على حد قولها.
وتقول عدلي "عادة ما تتسبب التجربة الصادمة الناتجة عن العنف الجنسي في آثار نفسية وعضوية واجتماعية إضافة لبعض الإشكاليات في الصحة الجنسية"، مثل الحمل غير المرغوب فيه، والأمراض المنقولة جنسيا، والتهابات الحوض، موضحة أن إحدى الضحايا توفيت متأثرة بإصابتها بعد بضعة أشهر.
أما الأعراض النفسية، كما أوضحتها عدلي، فكانت ما بين الاكتئاب البسيط، والاكتئاب الشديد والصدمة النفسية.
ورأت عدلي أن العلاج والتأهيل النفسي قد يستغرق سنتين أو أكثر، مشيرة إلى أن العلاج الخاص يتكلف مبالغ لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، وأن بعض الحالات القاسية تستدعي علاجا نفسيا وعضويا معا، وهو ما يزيد من التكاليف.
اعتبرت عدلي أن تعديلات قانون العقوبات وتغليظ عقوبة التحرش تحقق ربع طموحات المنظمات النسوية، موضحة أن الأمر يحتاج إلى قانون منفصل يجرم أيضا العنف داخل مؤسسة الزواج، خاصة أن قانون الأحوال الشخصية الخاص بالأقباط لا يسمح بالطلاق بسهولة.
وتطالب عدلي الدولة بتحمل مسؤوليتها تجاه العنف ضد النساء بمختلف أنواعه خاصة أن ضحاياه في زيادة مستمرة عن الأعوام السابقة، مؤكدة على ضرورة اعتباره مشروعا متكاملا للقضاء على العنف وإعادة التأهيل من خلال سن تشريع خاص بالعنف ضد النساء.
*الأسماء المستخدمة للنساء المتعرضات للعنف هي أسماء مستعارة تم استخدامها في الموضوع لحماية هوية الشخصيات الحقيقية.