المرأة في لغة الجذور لفظ لا جمع له من جنسه ، تُجمع على ( نساء ) ، والنساء لا مفردَ له من جنسه ، وورد لفظ المرأة في الحديث الشريف : ( الدنيا متاعٌ وخير متاعها المرأة الصالحة ) . ولفظ النساء جاء
في قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض ،قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) ، و النساء : اسم سورة من سور القرآن الكريم ، وهي سورة - مدنية – رقمها الرابعة 4 ، في ترتيب المصحف الشريف ، وعدد آياتها ست وسبعون ومائة آية ، وتسمّى سورة الطلاق بسورة النساء الصغرى ، وهذا يؤكد مدى اهتمام القرآن الكريم بالاستفاضة ببيان أحكام المرأة في جميع حالاتهـا .
وفي الجذر الثلاثي ( م ر أ ) يطالعنــا :
المُرُوءة الإِنسانية ولك أَن تُشَدّد كما أفاد الفرَّاءُ وقال : من المُرُوءة مَرُؤَ الرجلُ يَمْرُؤُ مُرُوءة ، ومَرُؤَ الطعامُ يَمْرُؤُ مَراءة وليس بينهما فرق إِلا اختلاف المصدرين :
فيمرؤ الطعام والشرابُ مراءةً ( بالألف) ، أما إن أردنا المروءة فنقول : مرؤَ الرجلُ مروءة ( بالواو) .
وقالوا : الماء أو الطعام الهنيء هو ما كان سهل الدخول ، أما المريء فهو ما كان سهل الخروج !
وورد في الأثـر ، أنه كَتَب عمرُ بنُ الخطاب إِلى أَبي موسى الأشعري ( رضي الله عنهما ) في الرسالة العمرية المشهورة في القضـاء : خُذِ الناسَ بالعَرَبيَّةِ فإِنه يَزيدُ في العَقْل ويُثْبِتُ المروءة . وقيل للأَحْنَفِ : ما المُرُوءة ؟ فقال العِفَّةُ والحِرْفةُ .
والمَرْءُ الإِنسان تقول هذا مَرْءٌ . وهما مِرْآنِ صالِحان ولا يكسر هذا الاسم ولا يجمع على لفظه ولا يُجْمَع جَمْع السَّلامة ( جمع المذكر السالم ) فلا يقال أَمْراءٌ ولا أَمْرُؤٌ ولا مَرْؤُونَ ولا أَمارِئُ . وقد أَنَّثوا فقالوا مَرْأَةٌ وخَفَّفوا التخفيف القياسي فقالوا مَرَةٌ بترك الهمز وفتح الراءِ وهذا مطَّرد وقال سيبويه وقد قالوا مَراةٌ وذلك قليل ونظيره كَمَاةٌ قال الفارسي وليس بمُطَّرِد كأَنهم توهموا حركة الهمزة على الراءِ فبقي مَرَأْةً ثم خُفِّف على هذا اللفظ وأَلحقوا أَلف الوصل في المؤَنث أَيضاً فقالوا امْرأَةٌ فإِذا عرَّفوها قالوا المَرأة وقد حكى أَبو علي الامْرَأَة الليث امْرَأَةٌ تأْنيث امْرِئٍ وقال ابن الأَنباري الأَلف في امْرأةٍ وامْرِئٍ أَلف وصل قال وللعرب في المَرأَةِ ثلاث لغات يقال هي امْرَأَتُه وهي مَرْأَتُه وهي مَرَتْه وحكى ابن الأَعرابي أَنه يقال للمرأَة إِنها لامْرُؤُ صِدْقٍ كالرَّجل قال وهذا نادر وفي حديث عليٍّ كَرَّمَ اللّهُ وجهه لما تَزَوَّج فاطِمَة رِضْوانُ اللّه عليهما قال له يهودي أَراد أَن يبتاع منه ثِياباً لقد تَزَوَّجْتَ امْرأَةً يُرِيد امرأَةً كامِلةً كما يقال فلان رَجُلٌ أَي كامِلٌ في الرِّجال .وتقول العرب عن المرأة : مرأة وامرأة ومَـرة ( بالتخفيف) وكله صحيح كما أشرنا آنفا.
والعرب ربما سموا الذئب امْرَأً وذكر يونس أَن قول الشاعر :
وأَنتَ امْرُؤٌ تَعْدُو على كلِّ غِرَّةٍ *** فتُخْطِئُ فيهـــا مرَّةً وتُصِيبُ
يعني به الذئب . وقالت امرأَة من العرب : " أَنا امْرُؤٌ لا أُخْبِرُ السِّرَّ" ،والنسبة إِلى امْرِئٍ مَرَئِيٌّ بفتح الراء ومنه المَرَئِيُّ الشاعر وكذلك النسبة إِلى امْرِئِ القَيْس وإِن شئت امْرِئِيٌّ ،وامْرؤُ القيس من أَسمائهم ، وقد غلب على القبيلة والإِضافةُ إليه امْرِئيّ وهو من القسم الذي وقعت فيه الإِضافة إِلى الأَول دون الثاني لأَن امْرَأَ لم يضف إِلى اسم علم في كلامهم إِلاّ في قولهم (امرؤُ القيس) وأَما الذين قالوا مَرَئِيٌّ فكأَنهم أَضافوا إِلى مَرْءٍ فكان قياسه على ذلك مَرْئِيٌّ ولكنه نادرٌ مَعْدُولُ النسب ، قال ذو الرمة الشاعر المعروف :
إِذا المَرَئِيُّ شَبَّ له بناتٌ *** عَقَدْنَ برأْسِه إِبَـةً وعارَا
قلنا : وليس من المصادفة أن تتحد في لغة الضاد جذور المرأة والمروءة والاستمراء والمرآة ( رمـزُ الشفافية ) . والأخيرة (أي المَرْآةُ ) ، مصدر الشيء المَرْئِيِّ ، كما جاء في التهذيب . وجمع المَرْآةِ مَراءٍ بوزن مَراعٍ وأقول : إنّ العوامُّ يقولون في جمع المَرْآةِ مَرايا وهو خطأٌ مشهور شائع تغلَّب على الفصيح الصحيح المهجـور ، ومَرْأَةُ قرية ، قال ذو الرمة:
فلما دَخَلْنا جَوْفَ مَرْأَةَ غُلِّقَتْ ..*** دساكِرُ لم تُرْفَعْ لخَيْرٍ ظلالُهــا
وقال عن هذه القرية ياقوت في معجم البلدان ( 5\ 96 ) : هي بلفظ المرأة من النساء ، قرية بني امرئ القيس باليمامة ،سكنوها بعد قتل مسيلمة ، وذكر ياقوت شعر ذي الرمّـة لما نزل فيها ولم يُدخِلْ أهلُهـا رحله ولم يكرموه ، فذمَّهم ومدح بهنس صاحب قرية( ذات غسل) المجاورة ، وهو مرئي أيضاً :
فلمّــــا وردنـا مرأة القــوم غُـلِّقت*** دســاكِرُ لم تُرْفَعْ لخَيْرٍ ظلالُهـــــــا
ولو عبرتْ أصلابهـــا عند بهنسٍ ***على ذات غسـلٍ لم تشمس رحالها
وقد سُمِّيت باسم امرئ القيس قريةٌ***كـرامٌ غوانيهــا لئـامٌ رجـالـهـــــا
هذا بالنسبة للمرأة ( جذراً ) ، أما المرأة في يومها العالمي ، فيصادف الثامن من شهر مارس من كل عام احتفالات بالإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنساء ، وفي بعض الدول كالصين وروسيا وكوبا يحصلن على إجازة في هذا اليوم . وهو يُعَـدُّ مناسبة مميزة تتيح للمرأة أن تتوقف كل عام وتراجع حصيلة وانجازات ما قدمته لمسيرة الحضارة والبناء العالمي ، وهي التي تمثل نصف المجتمع من أجل تطوير وتقدم بلدانها .
وقد ظهر يوم المرأة العالمي لأول مرة في بداية عام 1900 م ، و يرجع ذلك للعديد من التغيرات و والتطورات الصناعية و الإقتصادية في العالم ، و يعتقد كثيرون أن فكرة الاحتفال بيوم عالمي للمرأة نبعت من الإضرابات التي قامت بها العاملات في صناعة النسيج في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الاميركية في عامي 1857 و1909 والتي صادفت يوم الثامن من مارس، وذلك احتجاجاً على ظروف عملهن السيئة، في حين يؤكد آخرون إن أول إشارة رسمية ليوم المرأة العالمي ظهرت في مظاهرة نظمتها ناشطات اشتراكيات مطالبات بالحق في التصويت في 28 شباط فبراير 1909 ، وقد أُطلق على هذه المظاهرة يوم المرأة ثم تكرر الاحتفال في الولايات المتحدة الأميركية بهذا اليوم سنويا بعد ذلك أصبح يُقام سنويا من ذلك التاريخ . ونحن لا يهمُّنا كيف بدأ ولا من أين بدأ ،عند قومٍ ليسوا من جلدتنا ولا ثقافتنا ولا جذورنا ، ولكننا نؤكد أن جذور عقيدتنا لم تظلم المرأة أو تسيء إليها ، أو تعنتهــا ، بل – على العكس – المرأة مكرّمة عزيزة ، بل ملكــة متوّجــة ، ما أكرمها إلا كريم ولا أهانهــا إلا لئيم ، سورة من القرآن نزلت باسمها ، ومات رسولنا العربيّ الكريم وهو يردد اسمها ويوصي بها ، وأحكام الفقه الإسلامي جاءت على كل صغيرة وكبيرة في شؤونها بالكمال والتمام والاحترام والثناء والتقدير ، وهذا عمر تقف امرأة وتقاطعه في خطبته فيستجيب لها وتراجعه فيرجع ، ومثله فعل سائر الخلفاء ، لذلك نرى أنَّ من يحاولون تعميم الظلم الذي أحاق بالمرأة على سائر الشرائع الوضعية والسماوية هم متعسِّفون قطعا ، وغير محقين ، فنحن لا ننكر تجبّر بعض الذكور ( وليس الرجال ) وغطرستهم وبغيهم على المرأة ، لكن أليس من البغي أن ننسب ذلك إلى الإسلام ؟؟؟!!!
في جذورنا تنال المرأة نصف الميراث أحيانا ، ليس لأنها ناقصة بل لأنها معفاة من الأعباء والنفقات المالية والمهر وما إلى ذلك من أعباء ، وأحيانا تنال من الإرث ضعف الرجل لاعتبارات موضوعية متسقة مع أحكام التشريع الحنيف .
وفي جذورنا تُنَصَّف شهادة السيدة أحيانا في الأمور المالية ، ليس لأنها نصف الرجل ، بل لأنها مظنّــــة النسيان والسهو والغفلة نتيجة عدم الاهتمام بالشؤون المالية ومضاربات السوق ، وكلُّـنـا يُقِـرُّ بذلك لو أردنا الإنصاف وتحرينا الموضوعية والعدل ، والمرأة في جذور عقيدتنا تُقْبَلُ شهادتها كاملة في شؤون الأسرة ، امرأة واحدة تقبل شهادتها وتردُّ شهادة ألف رجل في قضايا النكاح والإرضــاع وما دار في فلكهــا ، السبب لأن ذلك من اختصاصها ، وتطبيقات ذلك معروفة في تاريخنا الفقهي والتشريعي ..
والاتهامات التي يكيلها السفهاء المسلوبون والموتورون والحاقدون ليس لها من الحقيقة شروى نقير !
بل إن من تزعم أنها ظُلِمت ولها معاناة ، فمعاناتها غالباً حادثة فردية أو موهومـة اختلقتْهـا ، ليُقال عنها كما فعلت بعضُ سيدات الحركات النسائية في عالمنا ، اللائي نُبِذْنَ بسبب تمردهن على القيم ، أو بسبب حالة الإستلاب والاستهواء التي عشنها بعد معايشة الأوربيين ! أما من ظُلِمتْ حقا فنحن معها قلباً وقالباً نناصرها ونؤازرها وندافع عنها ، ونتبنى قضيّتـهـا حتى يعود الحقّ لها كاملاً .
للمرأة يوم تحتفل به ، ونحن نؤيد الاحتفال بيومها .... هل تعلمون لماذا ؟؟؟
لأننا نحتفي بها كل يوم ، بل كلَّ ساعة ، نحن نرضع مع حليب أمهاتنا تمجيد الأم ، واحترام الأخت والجدة ، ونحن نؤمن أن العمة والخالة بمنزلة الأم وكذلك زوجة الأب ، وابنة الشخص قطعة منه ، بل جزء مشتق من كيانه وروحــه ،وكذلك سائر الأرحام والأحماء والأصهار ، أما الزوجة فحدِّثْ ولا حرج :
إنها ملكة البيت والآمرة الناهية في مملكتها ، متساوية في التكاليف والجزاء مع قرينها ، ولها ذمّـة مالية مستقلة لا يحق للرجل أن يتعداها أو يبغي عليها ، لها الحق في العمل بضوابطه الأخلاقية والاجتماعيّــة ، ولها المكانة السامية السامقة المجيدة المصونــة ، ويجب احترام أنوثتها وشفافيتها ، ألم يقل المصطفى عليه الصلاة والسلام : " رِفْـقــاً بالقواريـر " ؟ فهل بعد هذا التقدير من تقدير ؟!
ثم هل سجل التاريخ غزلاً أرق من أشعار العربي وهو يتغـزّل بمحبوبته ويعدِّد ثناياهـا ومناقبهــــا ، وهـل عرف العالم أحداً برقّـة العربي في تعامله مع المرأة وتفننه بوصفها ، وهل سجل التراث الإنساني شفافيةً تضارع شفافية العربي ، وهو يصيد ظبية ثم يُطْلِـقُها لأنَّ جِيدها يشبه جِيد محبوبته ، رغم شدة حاجتــه لتلك الظبية ، ورغم مجاعته وهو في بريّةٍ مقفرة ؟؟؟!!!
فعينكِ عيناها وجيدكِ جيدهـا *** ولكن عظم الساقِ منكِ دقيق
ألم يقل العربي : لكلِّ حديث بينهن بشاشة * وكل قتيـل بينهُـنَّ شـهيـدُ
ألم أقل لكم في بداية مقالتي عن المرأة أنه ليس مصادفة ولا عبثـــاً أن يتحد في لغتنا جذور المروءة والمرأة والاستمراء والمرآة :
المرأة تلدُ الرجل وكفاها فخراً أنه لا يستطيع ( أي الرجلُ ) أن يلدهــا .
المرأة تصنع المجتمع ببصمات المروءة والأخلاق من شفافية كالمرآة والماء الزلال ، واستمراءٍ في قبـول فكرهــا وتربيتها لتكون الحياة في ظلال المرأة هنيئةً مريئة . وإن الشعارات التي يرفعهــــا بعضهم لرفــع الحيف والظلم والعنف ضد المرأة لن تجدي بدون تربية حضارية سليمة ، قوامها العودة إلى جذورنــــــا الأخلاقية ، والتمسك بقيمنـا الأثيلــة ، والله الموفق .