يعجبني وصف اطلقه احد رجال الدين على مفهوم العائله ، فقد وصفها بانها شركه لها مجلس ادارة ، يتم التصويت داخله على القرارات المصيريه للعائله ، لكن في النهاية ، الكلمة الفصل تكون من حق رئيس المجلس (يقصد بذلك الزوج او الاب ).
هذا على صعيد القرارات المصيريه للعائله قد يكون مقبولا ، فليس من المنطقي ان يكون اثنان او اكثر يرأسان مجلس الادارة ، لا بد من قائد ، لكن ، للاسف ، فان العديد من النساء ، حتى المتعلمات منهن يخلطن بين القرارات المصيريه للعائله ، وبين القرارات التي تمس جوانب شؤونهن الخاصه ، فتجد الواحدة منهن مثلا تخضع لضغوط الزوج او الابناء فتسعى وراء التقاعد المبكر من عملها واحيانا تضطر الى الاستقالة قبل بلوغ التقاعد طمعا في مكافأة نهاية الخدمة وهذا ما حصل مع احدى السيدات ، التي ما تزال بعد مرور عقد من الزمن على تركها للوظيفة تبدي ندمها الشديد على تلك الخطوة غير المدروسه ، فقد استجابت لنصيحة زوجها فتركت عملها كمديرة لمدرسة ثانوية تابعة للامم المتحدة قبل الوصول الى سن التقاعد لتصرف مكافأة نهاية الخدمة على بناء شقة لابنها وتزويجه ، زوج هذه السيده عندما اقنعها بفكرة الاستقالة قبل بلوغ سن التقاعد للحصول على مكافأتها الماليه لم يكن يقصد بالطبع اذيتها ، وانما ظن ان مشروعه التجاري الذي يديره سوف يبقى ويزدهر ليعوض زوجته عن راتبها التقاعدي الضائع ، لكن ظروف اصابته بالمرض اضطرته لبيع مشروعه والجلوس في المنزل معتمدا على راتبه التقاعدي وبقيت زوجته تنتظر ان تأخذ مصروفها منه او ما يقدمه لها ابنها في بعض الاحيان من مساعدات ماديه ضئيله ، وهي الآن في سن تحتاج فيه الى مصدر رزق لمتابعة امورها الصحيه ولتتمكن من قضاء شيخوخه سعيده ، ولكن هيهات .
سيدة اخرى استطاعت توفير مبلغ مالي وشراء سيارة ، ارادت تعلم السياقه واستخراج رخصة قياده ، لكن افراد اسرتها اربكوا قرارها عندما حاولوا اثناءها عن تلك الخطوة بحجة انها تقدمت في السن وقالوا لها بصوت واحد ( نحن جميعا سائقون تحت تصرفك وخدمتك) ، وبالطبع هم ايضا لم يحاولوا خداعها ، لكنهم وجدوا انفسهم بعد سنوات قد تزوجوا وانجبوا وانشغل كل منهم بامور عائلته ، والآن تلك السيده نادرا ما تجد من يوصلها الى أي مكان ترغب بالذهاب اليه ، وهي بالطبع نادمة على انها تركت ادارة شؤونها الخاصة للغير حتى لو كانوا ابناءها . والامثله كثيره في هذا المجال .
مع انتشار التعليم وتنامي الوعي بين الناس وازدياد اعداد المتعاملين مع الوسائل العصريه المتاحه ، فان قلة قليلة من الرجال بقيت تحول دون اعطاء المراه استقلالية في اتخاذ قراراتها المصيريه المتعلقة بعملها او بالتصرف في اموالها الخاصه ، والغالبية من الرجال باتت تدرك ان تعليم المرأة وتوفير المناخ المناسب لها لتبدع وتطلق طاقاتها ، انما هي خطوة ايجابية تصب في مصلحة الاسرة عموما . وهذا ما نلمسه حتى في الارياف والمناطق النائية ، فوسائل الاعلام تزخر بعرض نماذج لنساء ناجحات امتلكن ارادة خاصة واستقلالية في القرار وبالطبع لم يكن ليتم ذلك لولا تعاون الرجال ودعمهم دون ضغط او اكراه .
ما اقصده قوله هنا ، ان على المراه ان تطلب النصيحة والمشورة من اسرتها ، ولكن في النهاية عليها ان تستقل بقرارها فيما يخص شؤونها الخاصه ، وعليها ان تتحمل تبعات هذا القرار سواء كان صائبا ام خاطئا ، وعلى الرجل الادراك ان تحفيز المرأة على التفكير الخلاق واتخاذ القرارات الخاصة بحرية ، هو فعل يصب غالبا في مصلحة الاسرة ككل .