لا يصح أن نلصق صفة “الأنوثة” أو “الذكورة” على الأدب، فالنص النثري أو الشعري إمّا جيّد وإمّا سيّئ، والحكم هو الناقد بغض النظر عن نوعه الجنسي، ولا معنى “أدبيا” حقيقيا لتصنيف “الكتابة النسوية”.
وأيّ لفظ “نسوي” أو “ذكري” نلحقه بالأدب ما هو إلا تجاوز لمهمته وإخلال بوظيفته، ولكن حتى في بريطانيا لا تزال الدعوات قائمة لتسليط الضوء على كتابات المرأة و”إنصاف قلمها” على حدّ قول الكاتبة الأسكتلندية آلي سميث.
في دولة مثل بريطانيا، حيث تنال المرأة حقوقها كاملة دون نقصان، تسري شبهة ابتزاز من الوسط الثقافي النسائي كي ينلن المزيد والمزيد. تقول الكاتبة الأسكتلندية آلي سميث مديرة مؤسسة ليبرتي ورئيسة لجنة تحكيم جائزة بيليز شامي شاكاربارتي، “لا نزال بعيدين كل البعد عن الاعتراف الأدبي بكتابات المرأة”، مصرّة على أن المجال لا يزال متاحا للتركيز على أدب المرأة، “يجب الاحتفاء بالمرأة بوجه عام، ولا شيء أقوى من حكاياتها، حكايات بأقلام نساء، من أجل النساء، باعتبارها وسيلة أخرى لمجابهة الظلم الجندري”.
أكملت حديثها قائلة إن “الظلم الجندري هو أعظم انتهاك لحقوق الإنسان في العالم، مثله مثل سياسة الفصل العنصري، إنه عالميّ المدى، يعود إلى ألف سنة، ولا ريب أنه ليس الوقت المناسب لفعل أيّ شيء أقل”.
روايات بديعة
نبست شاكاربارتي بهذه الجمل السابقة وهي تعلن عن المتنافسات في الدورة العشرين لجائزة بيليز للمرأة، من أشهرهن آلي سميث التي رشحت روايتها “كيف تكون كلتيهما” لجائزة البوكر والفوليو، والفائزة بالفعل بجائزة كوستا وجائزة جولدسميث، مما يجعلها واحدة من أكثر الروايات المحتفى بها نقديا في القائمة.
وتنافسها في الشهرة إيما هيلي عن رواية “إليزابيث مفقودة” الفائزة بجائزة كوستا عن أول رواية. تشتمل القائمة أيضا على أسماء مبدعات لهن رصيد نقدي واسع، وإن كان من المستبعد أن تفوز رواياتهن هذا العام، مثل سارة واترز وسامانثا هارفي وريتشل كاسك.
أشادت شاكاربارتي بالقائمة قائلة إنه “العام الأقوى” للنساء، وبالإضافة إليها فإن اللجنة تضمّ أسماء لامعة نقديا وجماهيريا مثل المذيعة وكاتبة المقالات جريس دينت وهيلين دانمور الفائزة بالجائزة في سنتها الأولى عن رواية “فترة شتاء”، ومقدمة الأخبار بالقناة الرابعة البريطانية كاثي نيومان ولورا باتس، ولعلها الأبرز في مجال حقوق المرأة، فقد أسست موقع “مشروع الجنسانية اليومية”.ومن المنتظر أن تعلن القائمة القصيرة في الثالث عشر من أبريل القادم واسم الفائزة في الثالث من يونيو التالي.
سوف تتلقى الفائزة شيكا قدره 30000 £ وكذلك تمثالا برونزيا صغيرا يحمل اسم بيسي، صممته الفنانة البريطانية جريزيل نيفين. وهذه الأموال مقدّمة من شركة بيليز، المنتج الأكبر للويسكي في بريطانيا.
تأسست جائزة بيليز عام 1996 “لتعويض ميل الجوائز الأدبية إلى تجاهل المرأة”، على حدّ تصريح مؤسستها. فقد تمّ إطلاقها بعدما تبيّن أن الحكام لم يرشحوا كاتبة واحدة لجائزة البوكر عام 1991، ربما لم يخطر ببال أحدهم حينئذ أن روايات الكاتبات لم تكن -ببساطة- على المستوى الملائم.
تحكي جريدة ذا غارديان البريطانية أن الكاتبة البريطانية كيت موس أجرت إحصاء في عام 1992 لتكتشف أن ما لا يزيد على عشرة في المائة من الروايات المرشحة للبوكر كانت بأقلام نساء.
وبعد أربع سنوات من هذا التاريخ أثمرت الترتيبات وحملات الدعاية عن جائزة للنساء فقط لا غير. وعقب أعوام من الدعم المالي قد وفرته شركة أورانج للاتصالات، نهضت الراعيتان شيري بلير وجوانا ترولوب بالمساندة ماليا حتى اقتنصت الجائزة تمويل شركة بيليز. تحتفي الجائزة “بالامتياز والأصالة وسهولة التلقي” في كتابات المرأة، والجائزة متاحة لأية امرأة تبدع باللغة الأنكليزية، متخطية حواجز الجنسية ومحل الإقامة.
وما يجعل هذه المسابقة رفيعة المستوى نقديا وجديرة بالتنافس عليها ليس بالنظر إلى قيمتها المالية أو تحيزها الجندري فحسب، وإنما كذلك من حيث عناوين الروايات التي نالتها في الأعوام السابقة، ومنها رواية إليانور ماكبرايد “الفتاة شيء نصف متكوّن” ورواية “عن الجمال” لآلي سميث ورواية “ينبغي أن نتحدث عن كيفين” للكاتبة الأميركية ليونيل شريفر ورواية “جزيرة صغيرة” للكاتبة البريطانية أندريا ليفي.
قرأت لجنة التحكيم 165 كتابا خلال هذا العام حتى تنتهي إلى قائمة تتضمّن عشرين رواية، لكاتبات ينشرن رواياتهن لأول مرّة وكاتبات مخضرمات حصدن من قبل الجوائز حصدا، ومن بينهن الأميركية آن تيلو المرشّحة عن كتابها العشرين، “مكب من الخيط الأزرق”.
والروايات المرشحة هي خليط جذاب من مختلف الأنواع الأدبية من كل أنحاء العالم، من الخيال العلمي إلى الفانتازيا إلى الروايات البوليسية، وإن كان ينقص أغلبها التجديد التقني، فقد جاءت محافظة على التكنيك والأسلوب على نحو لافت، عدا رواية الباكستانية كاميلا شمسي “إله في كل حجر”.
قائمة آسيوية بديعة
وبغض النظر عن الشكوى المتواصلة والنحيب كل عام عن هضم حق المرأة الأدبي، يلفت النظر الحضور القوي للقارة الآسيوية في هذه البوتقة الإبداعية الثرية.
فمن أبرز الروايات المرشحة للحصول على الجائزة رواية “أنا الصين” لزيولو جوا ورواية “حياة موزة” للصينية بيبي وونج، وهي أول صينية تنال عقدا للنشر في بريطانيا. تسرد الرواية البطلة شينج لي، “ما قد يسميه الصينيون موزة - صفراء في الخارج، وبيضاء في الداخل”.
ومن العسير تخيّل رواية “النحل” الرائعة للكاتبة لالين بول ذات الأصول الهندية أنها روايتها الأولى. الرواية تدور في جو ديستوبي وتنفض أحداثها في خلية نحل، مستدعية نص الكندية مارجريت أتوود “حكاية الخادمة”، فالرواية عامرة بالإسقاطات السياسية والاجتماعية.
فلورا 717 هي نحلة تنتمي إلى الطبقة الفقيرة من مجتمعها، لذا لم تمنح إلا فرصة لتنظيف خلية النحل في البستان. عاشت كي تقبل الوضع الحالي، وإن كان على مضض، عاشت لتطيع وتخدم، وهي على استعداد بأن تضحّي بأي شيء وكل شيء من أجل أمها المقدسة الحبيبة، الملكة! أو القائد أو الزعيم الديني. وكلهم في الرواية تصورهم بول بوصفهم أعداء للنحل الشغيل المكافح.
الأرجح أن الجائزة ستكون من نصيب الباكستانية كاميلا شمسي إلى القائمة عن رواية “إله في كل حجر”. تبدأ الرواية متعددة الطبقات في صيف عام 1914. تهيم الفتاة الأنكليزية فيفيان في أرض تركية عتيقة صحبة عالم الآثار التركي تحسين، على وشك أن تكتشف معبد زيوس، مهبط المغامرة والحب. فتشاركه فيفيان حب الآثار وتستحيل صداقتهما إلى حب قوّضته الحرب العالمية الثانية في ثانية واحدة.
وبعيدا عنها بآلاف الأميال يتعلم الشاب باثان معنى قيمة الأخوة والولاء في الجيش البريطاني الهندي. وفي العام التالي تخسر فيفيان الرجل الذي تحبه، ويفقد الشاب عينه في المعركة. يلتقيان على قطار يتجه إلى بيشاور، ويصل بينهما وصل الروح، وصل سوف يتجلى بينهما بعد خمس عشرة سنة، حين تربطهما المقاومة المناهضة للكولونيالية وامرأة غامضة.
أكبر إضرار بأدب المرأة
كانت شاكاربارتي رئيسة لجنة التحكيم قد ختمت حجتها بأنه “من المضحك أن نستهدف جائزة للمرأة في وقت تتراجع فيه النساء، لا فقط في مجال النشر، وإنما في السياسة والاقتصاد والرعاية الصحية”.
الحق أنه لا اعتراض فعليا على جائزة مخصصة للمرأة وحدها، فليست هناك أصوات ترتفع لهدم الجائزة، وإنما لنقدها والمطالبة بتبرير منطقها الذي استثنى نصف المجتمع الأدبي من الاعتراف المالي والأدبي.
واقع الأمر أن جائزة للمرأة وحدها تطوي في حجتها اعترافا -غير معلن بالطبع- بقصور المرأة، وهذا أكبر إضرار بأدبها وحقوقها، إذ يوحي بما لا يدع مجالا للشك بأن أدبا مكتوبا بقلم امرأة يعجز عن منافسة أدب الرجل على ساحة الجوائز.
وما قيمة أن تتفوق المرأة على مثيلتها أو على نفسها في مجال خال من التناطح؟ لا يشي هذا بأي انتصار جندري، لأن الجائزة ببساطة لا تناصر المنافسة المنصفة بين كتاب الرواية وكاتباتها، بعد أن حجبت منذ لحظة تأسيسها أقلام روائيين قد يهزمون الروائيات، أو يفشلون في هزيمتهم. فالمحك هنا ليست قيمة القائمة المعلنة مؤخرا، وإنما انتصار القيمة الأدبية للجائزة.