قال صاحب اللسان في مادة(ط ح ن) نقلاً عن الأزهري :
الطِّحْنُ الطَّحِينُ المَطْحُونُ والطَّحْنُ الفعل والطِّحَانةُ فعل الطَّحّانِ ،وجاء في قصة إِسلام عمر رضي الله عنه : "فأَخرَجَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في صَفَّينِ له كَدِيدٌ ككَدِيدِ الطَّحِينِ" نقله ابن الأَثير الجَـزْري ،. و الكَدِيدُ الترابُ الناعم والطَّحينُ المَطْحُون فعيل بمعنى مفعول ، وقال ابن سيده: طَحَنَه يَطْحَنُه طَحْناً فهو مَطْحُون وطَحِينٌ وطَحَّنَه أَنشد ابن الأَعرابي :
عَيْشُها العِلْهزُ المُطَحَّنُ بالفَثْ*** ثِ وإيضاعُها القَعُودَ الوَسَاعا
ونقول : الطِّحْنُ بالكسر الدقيق والطَّاحُونة والطَّحّانة التي تدور بالماء والجمع الطَّواحِينُ والطَّحّان الذي يَلي الطَّحِينَ وحِرْفته الطِّحانةُ ( وقال الجوهري) : طَحَنَتِ الرَّحَى تَطْحَنُ وطَحَنْتُ أَنا البُرَّ والطَّحْنُ المصدر والطَّاحونة الرَّحَى ،وفي المثل:( أَسمَعُ جَعْجَعَةً ولا أَرى طِحْناً ) والعوام ينطقونه خطأً ( طَحْناً)بفتح الطاء وهو المصدر وليس فعل الطحن ! والطَّواحِنُ الأَضراسُ كلها من الإِنسان وغيره على التشبيه واحدتها طاحِنَة، وقال الأَزهري :كل سنٍّ من الأَضراس طاحِنَة وكَتِيبة طَحُون تَطْحَنُ كُلَّ شيء والطُّحَنُ على هيئة أُم حُبَيْن إلا أَنَّها أَلطف منها تَشْتَالُ بذَنَبِها كما تَفْعَلُ الخَلِفَة من الإِبل ،يقول لها الصبيان: اطْحَني لنا جِرَابنا فتَطْحَنُ بنفسها في الأَرض حتى تغيب فيها في السهل ولا تَراها إلا في بَلُّوقَةٍ من الأَرض .والطُّحَنُ لَيْثُ عِفِرِّينَ، وقوله :
إذا رآني واحداً أَو في عَيَنْ ***يَعْرِفُني أَطْرَقَ إِطْراقَ الطُّحَنْ
إنما عنى إحدى هاتين الحشرتين ، قال ابن بري: الرجز لجَندَلِ بن المُثَنَّى الطُّهَوِيِّ ، وقال الأَزهري: الطُّحَنة دُويبة كالجُعَل (قلت : الخنفساء القريبة من الصرصار وهي دويبة كريهة المنظر والرائحة ). وحكى الأَزهري عن الأَصمعي قال :الطُّحَنة دابة دون القُنفُذ تكون في الرمل تظهر أَحياناً وتدور كأَنهــا تَطْحَنُ ثم تَغُوص وتجتمع صبيان الأَعراب لها إذا ظهرت فيصيحون بها اطْحَني جِراباً أَو جِرابَين وقال الأَزهري عن ابن الأَعرابي : إذا كان الرجل نهاية في القِصَرِ فهو الطُّحَنة قال ابن بري وأَما الطويل الذي فيه لُوثَةٌ فيقال له عُسْقُدٌ قال وقال ابن خالويه أَقْصَرُ القِصَارِ الطُّحَنَةُ وأَطول الطِّوالِ السَّمَرْطُولُ وحرب طَحُونٌ تَطْحَنُ كل شيء ، قاله الأَزهري ، والطَّحُون اسم للحرب وقيل هي الكتيبة من كتائب الخيل إذا كانت ذات شوكة وكثرة قال الراجز :
حَواه حاوٍ طالَ ما استباثا ***ذُكورَها والطُّحَّنَ الإِناثا ِ
وقال الجوهري :طَحَنَتِ الأَفْعَى تَرَحَّتْ واستدارت فهي مِطْحانٌ ، قال الشاعر:
بخَرْشاءَ مِطْحـانٍ كأَنَّ فَحِيحَهـا ***إذا فَزِعَـتْ ماءٌ هَرِيقَ على جَمْرِ
وهريق : أي صُـبَّ ، والماء إذا سُكِبَ على الجمر المتَّقد أصدر صوتــاً مثل الفحيح !
قلنا : والطَّحَّانُ إن جعلته من الطَّحْن أَجريته( أي صرفته) وإن جعلته من الطَّحِّ أَو الطَّحاءِ وهو المنبسط من الأَرض لم تُجْره ( يكون ممنوعاً من الصرف ) وقال ابن بري : لا يكون الطَّحَّان مصروفاً إلا من (الطَّحْنِ\\ ط ح ن ) ووزنه فَعَّال ولو جعلته من الطَّحاءِ لكان قياسُه طَحْوان لا طَحَّان فإِن جعلته من الطَّـــحِّ ( ط ح ح ) كان وزنه فَعْلان لا فَعَّال .
والطاحون أو الطاحونة آلـة الطحن كانت تقام عـادة على الأنهار ومصباتها والشلالات ويأتيها المواطنون من كل حدب وصوب حاملين حبوبهم لطحنها فيها ، وغالبا ما تستمر رحلة الطحن أياما ، يحمل الفلاح معه زاده وما يحتاجه ، نظراً لبعْـدِ الشّقّــة وانعدام المرافق في الطريق ،،، ومن أشهر الطواحين في بلاد الشام مطاحن تل شهاب القريبة من شلالات تل شهاب على نهر اليرموك .
كانت شلالات تــل شهاب قائمة عام 1908.. وتظهر الطواحين المائية أيام عزها ، ولها صُوَر باقية وموجودة في متحف درعا الفوتوغرافي
ومن المعلوم تاريخيّــاً أنَّ المطاحن المائية في وادي تل شهاب أُقيمت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لكثرة الشلالات فيها, من أجل طحن الحبوب وكانت تعمل بواسطة دفع المياه المتساقطة من الشلالات.
وكانت هذه الطواحين تعمل على طحن حبوب مناطق "حــوران وجبل العرب والكسوة وشمال الأردن والجولان وقسم من فلسطين الحبيبة .
وذكر المؤرخ الالماني "شوماخر" والذي زار حوران عام 1880م وزار بالتحديد شلالات تل شهاب حيث قال : (يوجد في وادي تل شهاب والذي تكثر فيه الشلالات أكثر من خمسٍ وثلاثين طاحونة مائية تعمل على الماء ، والناس تأتي من مناطق بعيدة لطحن الحبوب فيها .) .
والجدير بالذكـر أنه لم يبقَ من هذه المطاحن الا ثماني طواحين في هذه الايام..بعد تهدم كثير منها .
صورة لشلالات تل شهاب حوالي~ 1962م
طاحونة مائية
وللعرب المسلمين باعٌ طويل في الطواحين الهوائية ، فلقد طوَّروا آلاتِ رفع المياه ومنها الساقية، غير أنَّ أبرز ما ابتكروه في هذا المجال إنما هو مضخّة المكبس التي ذكرها الجزري في كتابه "الحيل الجامع بين العلم والعمل"، وقد تُرْجِم هذا الكتاب إلى كل اللغات الأوروبية تحت اسم (الحيل الهندسية)، ومضخّـــــة الجزري عبارة عن آلةٍ معدنيّةٍ ( طاحونة) تدار بقوّة الريح أو بواسطة حيوان يدور بحركة دائرية.. وكان الهدف منها أنْ ترفع المياه من الآبار العميقة إلى سطح الأرض ، وهو أمر لم يعرفه العالم قبل المسلمين أصحاب هذا الإختراع .. ولقد عرف المسلمون استغلال قوة جريان المياه كطاقة متجددة، فيذكر القزويني "أن أهل الموصل انتفعوا بدجلة انتفاعًا كثيرًا مثل شق القناة منها، ونصب النواعير على الماء يديرها الماء نفسه، ونصب العربات وهي الطواحين التي يديرها الماء في وسط دجلة في سفينة وتنقل من موضع إلى موضع"، ويشير هذا النص إلى استغلال الماء الجاري في الأنهار والقنوات المتفرعة منها في إدارة الطواحين التي تعمل بالماء كطاقة حركية مفيدة، وانتشرت هذه الظاهرة في المدن التي أمكن عملها على أنهارها، ولعل أشهرها مدينة ( حماه) أم النواعير ، ومدينة فاس التي يذكر الحميري عنها ما يلي: "وفيها أرحاء للماء نحو ثلاثمائة وستين رحى يضمها السور". ووصف لنا ابن عبد البر طاحون ماء عجيب بمرند بإقليم أذربيجان بقوله: (وبها طاحون تدور بالماء الواقف وهو من أعاجيب البلاد والزمان والعمارة ) ، وهكذا عرفنا أن جذور الطواحين عربية إسلامية (1)، مثلما عرفنا الجذر ( ط ح ن ) وهو سحق الحبوب وتحويلها إلى ذرَّات ناعمة ، فكذلك جذور حضارتنا ساحقة في القدم ناعمة في العطـاء ..
هامش :-------------------------- -----
(1)وعلى نمط الطواحين كانت الساعات المائية ، وهي اختراع عربي اسلامي مئة بالمئة ونذكر هنا الساعة المائية التي شيدت بظاهر الجامع الأموي بدمشق أواسط القرن السادس الهجري ، وبظاهـر المدرسـة المستنصرية ببغداد أيام الرشيد ابن المأمون (630 - 640هـ/ 1232م - 1240م). وقد وصلنا نموذج وحيد وفريد من الساعات التي تدار بالطاقة المائية ، وذلك النموذج موجود بجامع القرويين بفاس ، ساعة مائيّــة صُنعت بأمر ٍمن السلطان أبي سالم بن سلطان أبي الحسن المُتَوفَّى 762هـ/ 1361م .