توافق الأردنيون منذ هبوب العاصفة القطبية التي ما زلنا نعيش تبعاتها ، على أن لهذه العاصفة العاتية اسم ونسب ، فصارت ( اليكسا ) على كل شفة ولسان ، وأشاع البعض أن شقيقة اليكسا واسمها نتاشا قادمة في الأسبوع المقبل ، وعندما تم انتخاب حسناء روسية ملكة جمال القارات ، كتب البعض تعليقات تؤكد بأن علينا ألا نغتر بجمال الروسية ، لأنها قريبة اليكسا ونتاشا ..! وهذا يؤكد على فداحة ما تركته العاصفة بيننا ، ومخاوفنا من الآتي .
لماذا لم نتذكر النساء الروسيات الرائعات اللواتي يقدن القطارات ويجرفن الثلوج تماما كالرجال ..؟ صحيح أن بنية المرأة الروسية تتناسب مع البيئة القاسية ، وصحيح أنها تأقلمت مع هذا العالم الجليدي القاسي وتحدته أيضا ، في حين أننا أهل الشمس والاعتدال ، والمرأة الأردنية لم تعتد كل هذه القسوة والحدة في مناخ بلادها ، لكن الاختباء وراء زجاج النوافذ لا يزيح أكوام الثلوج ، ولا يفتح الممرات ..! عندما أغلقت العاصفة شوارعنا وحجزتنا عن العالم الخارجي ، وقفنا ننتظر جرافات ( الأمانة ) وانتظرنا الفرج أياما ، وللحق فإن الأكوام الناصعة فاقت كل تصوراتنا .. كنا بانتظار الدور ليقوم الشباب من الوافدين لفتح الممرات في مداخل البيوت ، وكان الحي كله يعيش حالة الانتظار ، وعندما تجرأنا وقمنا بالمبادرة وحملنا المجارف ، قابلتنا الوجوه الواقفة بترف أمام النوافذ باستغراب ، فكيف تقوم النساء بمثل هذا العمل الشاق ..؟ وعندما سرت الدماء الحارة في أطرافنا ، وازداد حماسنا للعمل ، ازداد عدد المجارف التي تحملها أيدي النساء ، وبقيت الوجوه المترفة التي اعتادت على التفرج واستخدام العمالة الوافدة تتطلع من خلف النوافذ بانتظار فرج “ الأمانة “ أو “ شباب الوافدين “ ، والنتيجة أن المجارف التي تحملها أيدي النساء الأردنيات أنجزت العمل ، تماما مثل النساء الروسيات ..!
في أدبيات هذا الوطن تحمل ذاكرة الجدات صورة ناصعة لعمل المرأة الأردنية (الفلاحة والبدوية والمدنية ) تحت كل الظروف ، صيفا وشتاء وربيعا ، فهي تزرع وتحصد وتحلب المواشي وتصنع المنتجات الغذائية ، وتغزل الصوف ، وتصنع الأواني الفخارية والطابون ، وتجفف الخضروات وتحفظها ، وتصنع المربيات ، إنها امرأة كل الفصول ، وهي بالمناسبة المرأة التي تطين البيوت في عمل جماعي يعرف “ بالعونة “ ، وهي بذلك تفوق كل نساء العالم بتعدد اهتماماتها وإبداعها ، فكيف تشكل جيل لاحق كسول يعتمد على العاملات الآسيويات ، ويقف في صف المتفرجين ..؟ كشفتنا العاصفة ، كشفت التغيير المؤسف الذي حول النساء الرائعات المنتجات في كل الفصول ، إلى نساء يعتمدن على العاملات ، ويفتقدن المهارات الجميلة ..؟ ومع أننا نعترف بأن أكفنا التي جرفت الثلج احمرت وتسلخت ، لكننا لن ننسى طعم أكواب الشاي الحارة بعد الاستراحة ، ونقولها بشجاعة ، فلتأت نتاشا ، ما دامت بأيدينا المجارف وما دمنا نملك عزيمة جداتنا الأردنيات النشميات .. فلتأت نتاشا ..!