ما يُميز العالم الغربي ليس فقط التطور التكنولوجي ولكن أيضاً أن الباحثون الإجتماعيون بهذه المجتمعات يراقبون ويدرسون التطورات النفسية والإجتماعية التي تترافق مع التطور التكنولوجي وتتتبع التطورات الإجتماعية التي يمر بها المجتمع. نحن ننتقد المجتمعات العربية لعدم وجود ما يكفي من الأبحاث العلمية ولكننا يمكننا أيضاً أن ننتقده وبشكل كبير بسبب الإهمال الكبير للدراسات والأبحاث الإجتماعية في مجتمعات متغيرة وتخضع لتأثيرات عديدة علماً أن الأبحاث الإجتماعية لا تحتاج لتكاليف باهظة كالأبحاث العلمية ، لذا لفت نظري هذا الكتاب حول علاقات الناس ببعضهم البعض وتأثير ذلك على الفرد والمجموع بظل تغيرات اجتماعية واقتصادية متسارعة .....يفند الكاتبان وبشكل دقيق العلاقات البشرية الإجتماعية في كتاب يقع على 333 صفحة والكتاب تم تأسيسه بناء على أبحاث ودراسات استمرت لسنواتٍ عديدة وعلى شرائح واسعة من الأشخاص وأترجم الأفكار الأكثر قرباً من ثقافتنا العربية مع علمي الأكيد بأن تأثير الثقافة الغربية لم يعد مجرد ظواهر فردية بل أصبح سلوك ونمط حياة بل وعقيدة بالنسبة للبعض.
المشاعر:
كل أنواع المشاعر السعيدة أو التعيسة يمكن أن تنتشر بين شخصين أو أكثر أو مجموعة أكبر من الأشخاص ، بالنتيجة فالمشاعر لها أصل جماعي وليس فردي فقط ، ما تشعر به يعتمد على ما يشعر به من أنت مرتبط بهم. الناس في العالم لديهم أفكار ومعتقدات مختلفة ولكن لديهم مشاعر متشابهه وردود أفعال متشابهه مثل تفضيل الأصدقاء السعداء على
الكئيبين ، الرحماء على القاسين والمُحبين على العنيفين . مهما كان ما يبحث عنه الأشخاص فإن شبكة العلاقات تعتمد على جذب من يُشبههم وهو ما يُنافي أن الناس يتقابلون ويختارون بعضهم البعض وفقاً للحظ أو الصدفة .
الزواج:
في دراسة تم أجراؤها على حوالي 1،49 من الأزواج تمت متابعتهم خلال 8 سنوات ، أتضح أن الزواج السيء يُسرع من تدهور الصحة مع التقدم في العمر وهو يتعلق بالتواصل السلبي مع الزوج أو الزوجة ويُشكل ثقل أكبر على جهاز المناعة ، وبالنتيجة فإن موت الزوج الذي لا يحب الزوجة
ولا يهتم لها أو الذي لا تحبه الزوجة ولا تهتم به لا يؤذي الصحة لهذا فمن غير المفاجيء أن نمضي وقتاً طويلاً في البحث عن شريك حياة لأن مواصفات الشريك الذي نرتبط به سوف يكون له أثر كبير على كل تفاصيل حياتنا.
مرحلة البلوغ:
أتضح من خلال الدراسات أن الأطفال الذي يعانون من مشاكل في مرحلة البلوغ يعانون من عدم وجود نظام بحياتهم ولا مراقبة أو اهتمام بهم وكذلك نقص في الإتصال بين الأطفال وآبائهم.
ميكروبات:
الميكروبات ليست فقط الأمراض التي تنتقل من شخص لاخر، كذلك التصرفات تنتشر بين البشر ، مثلاً الرفاق يؤثرن على المراهقين سواء بعادات الأكل أو بسلوكياتهم الأخلاقية وكذلك الغرباء يؤثرون علينا، فحين نجلس في مطعم بجانب أشخاص يأكلون كثيراً سوف نأكل كثيراً أيضاً، وهو التأثير دون وعي وأسمه (الأكل دون عقل) (mindless eating)
ويبدو أننا لا نستطيع إلا أن نُقلد الآخرين حتى ولو كانوا بعيدين عنا عن طريق التأثيرات النفسية والعقلية.
التأثر بالبدانة:
هل البدانة مُعدية؟
عندما يكون الناس أحرار بما يفعلون فإنهم يُقلدون بعضهم البعض ، عندما نرى شخص يأكل أو يركض فإن نفس الإنفعالات لدينا تتحفز في الدماغ كما لو كنا نحن من يأكل أو يركض. في السنوات العشرين الأخيرة حصلت تغيرات كبيرة حول حيوية الإنسان ، الإختراعات، الجلوس كثيراً التسلية والتحولات الإقتصادية والخدمات وكذلك تحولات دراماتيكية بإستهلاك الأكل بسبب انخفاض سعره وتوفر كميات كبيرة منه . والتقليد
يمتد للتدخين وتناول الكحول سواء من الأشخاص القريبين أو الأبعد ، ولقد وُجد أن الأصدقاء يؤثرون على بعضهم البعض أكثر من الأزواج بالنسبة للبدانة وأن الأصدقاء من نفس الجنس يؤثرون على بعضهم البعض أكثر من الجنس الآخر . وأتضح أن شرب الكحول يبدو أكثر تأثيراً من قبل المرأة فإذا كانت المرأة تشرب فعلى الغالب أن زوجها وصديقاتها سوف يتبعونها ولكن حين يشرب الرجل فإن ذلك له تأثير أضعف على مُحيطه ويبدو أن النساء هم مفتاح للإنتشار على شبكة النت. وكما أن البدانة مُعدية فوجد أيضاً أن السعادة يمكن أن تنتشر كذلك ألم الرأس والتعب أو الحكة.
الإنتحار:
عدوى الإنتحار قد تكون الأثر الأكثر تدميراً لقوة شبكة النت ، تزداد هذه الظاهرة على النت بسبب وجود أشخاص آخرين يحفزون هذا الميول ، ظاهرة الإنتحار توجد في المجتمعات الفقيرة والغنية وتوجد حالات انتحار فردية وأخرى جماعية منظمة ، لوحظ بعد عدد من الدراسات وجود حالات انتحار حين يتم نشر مقال أو رواية توفر أسباب منطقية للإنتحار .
" هناك من يجعلني أشعر بالمرض":
إنه تعبير دارج ولكنه يعكس حقيقة ، فصحتنا تعتمد على أكثر من حالتنا البيولوجية أو حتى أختياراتنا وردود أفعالنا ، كذلك تعتمد على بيولوجية وردود أفعال من حولنا. القيمة الرديكالية الفردية الغربية تقول بأن الإنسان سيد قدره ، وأنه بإجراء التغيير حول ما نأكل وما نتصرف سوف تتحسن فرص حياتنا وأنتاجنا العقلي، ولكن الصورة أكثر تعقيداً فالشبكة الإجتماعية تؤكد أن ما يحصل للآخرين سواء نعرفهم أولا يؤثر بنا .
مفتاح أساسي، ما يتم إنفاقه في تحسين صحة موظف ما يُسهم بتحسين صحة من حوله سواء افراد عائلته أو زملائه ، فهمنا للسلوك الإقتصادي يتطلب منا معرفة أن أي رجل أو امرأة ليسوا جزر منفصلة فالأشخاص مترابطون وصحتهم وكونهم بحالة جيدة مترابط أيضاً.
قوة العلاقات الضعيفة:
توضح الدراسات أن الصلات الضعيفة تشكل جسور من مجموعة لأخرى، فوجد أن أغلب العمال يجدون عمل بواسطة زميل قديم أو موظف سابق يعرفونه وكذلك يجد الأشخاص اصدقاء أو أزواج بواسطة علاقات أجتماعية ضعيفة وليست بالضرورة قوية.
مرتبطون سياسياً:
في ليلة انتخابه قال أوباما في خطابه ( لم أكن المُرشح الأكثر حظاً في هذا المنصب ، لم نبدأ بمبلغ مالي كبير ولكن بنينا بواسطة عدد من الرجال والنساء الذين قدموا خمس دولارات أو 10 أو 20 دولار ) وكان مبلغ ما حصل عليه 600 مليون دولار من أكثر من 3 ملايين شخص . أدرك أوباما ومنذ البداية أهمية الإنترنت فمرشحوه كانوا يتواصلون عبر الرسائل الإلكترونية والتليفون أكثر من مرشحو كلينتون.
السلوك الإنساني والجينات:
اتضح من الدراسات أن الجينات لها علاقة بكون الأشخاص أجتماعيين أم لا وأيضاً تؤثر على مكاننا في الشبكة الإجتماعية الواسعة المحيطة بنا فالشخص الذي لديه شبكة أجتماعية أوسع يكون لديه أيضاً تنوع جيني أكثر ثراء من الشخص المنعزل، والجينات لا تؤثر فقط على عدد
الأصدقاء بل وعلى مكان الشخص في الشبكة هل هو على اطرافها أو في المركز منها. العنصر الوراثي يؤثر أيضاً على كون بعض الأشخاص جذابين أكثر من غيرهم سواء لمظهرهم الخارجي أو لصفات خاصة كما وتؤثر على كونهم بدناء ، مدخنين ، يميلون للسعادة أو للتعاسة أو حتى على التوجه السياسي.
الوحدة:
الجينات تؤثر كذلك على القدرة على تكوين علاقات اجتماعية وذلك حسب الحالة العاطفية والشعورية ، الشعور بالوحدة ينتج عن تعارض بين الرغبة بالتواصل الإجتماعي وبين الواقع الإجتماعي الذي يحياه الشخص. فإنه من المحتمل أن جيناتنا تؤثر على نظام حياتنا الإجتماعي وعلى أمزجتنا.
كم من الأصدقاء يمكن أن يكون لديك؟:
رغم ادعاء البعض أن لديه المئات من الأفراد فإن العقل البشري لا يستطيع التواصل سوى مع عدد محدد من العلاقات، أن التواصل ليس العنصر الأساسي الأهم هو القدرة العقلية البشرية لتتبع العلاقات الإجتماعية ومعرفة من يتواصل مع من.
التواصل عبر النت، حقيقة أم خيال:
شيء واحد يميز عالم النت هو القابلية لتقديم صورة مخالفة للواقع ، فالشخص الغير جذاب يمكن أن يقدم نفسه كشخص جذاب ويُجري التغييرات السهلة لذلك ، بهذا يوفر العالم الخيالي الفرصة لمن لايكون لديه الثقة بالنفس أن يُصبحوا مركز أهتمام ولو من خلال العالم الخيالي. التواصل عبر النت يُفرز نفس النتائج والظواهر التي تدور في العالم الحقيقي سواء من حيث الطمع ، المشاعر ، المنفعة الشخصية أو الخيانة.
ولكن هذا التواصل قد يؤدي بنا إلى فقدان الخصوصية وذلك بإستبدال الأصدقاء المقربين بعلاقات ضعيفة وهشة عن بعد. الكثيرون ممن يتواصلون عبر النت يخلقون عالم خيالي لا يمت للواقع بصلة ويعرفه أحد المفكرين :(تواجد عدد كافي من الأشخاص يوافقون على هذا الواقع المستحيل فيتحول إلى حقيقة) .
ومشكلة أخرى تتمثل بأن هذا التواصل السهل يوفر أعداد غير محدوده للتواصل معها وهذا التواصل له ثمن ، لدى وجود أشخاص أصحاب نوايا ونوازع شاذة أو غير أخلاقية خصوصاً بالنسبة لصغار السن ، فحوالي
50% من عناوين الإيميل في أمريكا لأشخاص مجهولين يتجولون عبر غرف المحادثة والمواقع المختلفة دون رقيب وهذا التواصل السهل يوفر فرصة اجتماعية جيدة لمن يعانون من العزلة أو الخجل ولكنه وبنفس الوقت قد يروج لأفكار خطيرة مثل مرض النحافة (أنوركسيا) ، الإنتحار، التخريب ، الشذوذ الجنس، الفوضى ، التخريب ، التطرف أو العنصرية.
كما و أن مشاعر الغضب والرغبة بالإنتقام تكون ذات المشاعر التي تنتاب الشخص في العالم الحقيقي ، والتأثير الإجتماعي ينتشر على النت كما في العالم الحقيقي ولكن بعض الأشياء تنتشر بسهولة أكبر مثل عادات الطعام والتدخين وتأثير الأصدقاء.
تأثير النت:
يمكن أعتبار النت من أشد الوسائل تاثيراً على السلوك البشري ، خصوصاً على صغار السن وتقليدهم لبعضهم البعض ففي السابق كان التأثير يتم بشكل بطيء وبصورة أصعب ولكن حالياً يتم التأثير عبر الضغط على زر صغير. مثال على هذا التأثير :
المرض النفسي المتمثل بإحداث جروح في الجسد ، فقد تم ارسال 400 رسالة تتضمن طرق إحداث هذه الجروح مما زاد من عدد من يقومون به بصورة مأساوية خصوصاً أن هذه الرسائل تأخذ مظهر جذاب ومتعاطف ، كذلك بالنسبة لأي شذوذ أخلاقي فيمكن أن يجد صاحب هذا الشذوذ الدعم النفسي والإجتماعي عبر النت مما يزيد من انتشار هذه الظاهرة لأنه هناك من يبررها ويدعمها. وكذلك بالنسبة للسلوك الإجرامي وطرق تنفيذ الجريمة . أو أجراء عمليات التجميل التي لا ضرورة لها ، أو التسويق لمنتجات التنحيف ولوصفات طبية مشبوهه.
حقيقة:
الحقيقة الأكيدة هي أننا نأخذ حياتنا الواقعية إلى عالم النت عبر الفيس بوك حيث توجد شبكة علاقات غير محدودة لأشخاص نعرفهم أو يمكن أن
نعرفهم وإن التأثير الإجتماعي عبر النت ينتشر كما في العالم الواقعي وأن شبكة العلاقات عبر النت لها حياة خاصة بها تتطور ، تتشوه، تموت، تتحول أو تختفي والتواصل عبرها له نتائج تتجاوز حدود ما يمكن التكهن به ، بل إن العلاقات الواقعية يمكن التكهن بنتائجها ولكن كل ما يدور في العالم البصري من خلال النت هو عالم يبدو مجهول النتائج مهما كانت الثقة الممنوحة له خصوصاً حين يتم التصرف بعفوية تحت ذريعة كونه مجرد عالم خيالي يتحرك من خلال شاشة جهاز الكتروني.
تعليق أخير :
لا يمكن ترجمة جميع صفحات هذا الكتاب في مقال مختصر ولكننا في عالم مترابط حتى ولو كان يبدو أن كل منا يعيش حياته ، نحن نتجاهل هذا الترابط ولكنه يفرض ذاته ويُفاجئنا بنتائجه ولو بعد سنوات...وأخيراً فإنه قد آن الآوان لكل عائلة أن تدرك أن ما يتعامل معه أولادنا ليس جهاز تكنولوجي متطور وينمي الذكاء بل عالم كامل يتضمن كل ايجابيات وسلبيات العالم الواقعي ولكن خطورته تبدو أكبر لأنه يكمن صامتاً وضئيل الحجم في كل زاوية من بيوتنا. والأخطر هو أننا نتأثر بكل التطورات التكنولوجية ولا يترافق ذلك مع دراسات اجتماعية حول تأثير ذلك على المجتمع والفرد فنقف عاجزين أمام مشكلات معاصرة لمن حولنا نعرف ظواهرها ولكن لا نعرف أسبابها أو كيفية علاجها ويبدو أن فئة الشباب هي الأكثر تأثراً بهذا التناقض الثقافي والشخصي والفكري المعاصر الغير مترافق مع فهم علمي لظواهر اجتماعية معقدة انتابت مجتمعنا بشكل متسارع.