نسمع أحاديث بعض الناس التي يشكون خلالها ضيق الوقت، وأن المهام والواجبات المنوطة بهم كثيرة ومتنوعة، لكن سيف الوقت دوماً يقطعهم، بل إن البعض يرفع شعار «لو أن الوقت يشترى بالمال لدفع مقابل المزيد من الوقت للإنجاز والعمل الإيجابي».
وفي الحقيقة لا أجد أمام مثل هذه الأقوال إلا اعتبارها تجديفاً ضد الزمن الذي رافقنا منذ ميلادنا حتى وفاتنا، فالوقت لم يتغير والثواني لم تصغر والساعات لم تقل، بل اليوم هو نفسه، إذن ما الذي تغير؟
في الحقيقة إن المشكلة هنا ليست في ضيق الوقت، لكنها دوماً تتعلق بالتخطيط والتنظيم لا أكثر ولا أقل، وحتى أكون منصفة فإني أردّك إلى من هم على درجة عالية من التنظيم والترتيب، بل إنهم وصلوا لمرحلة أنه يمكنك ضبط ساعتك على حضورهم وانصرافهم، وهؤلاء على الرغم من ندرتهم إلا أنهم موجودون بيننا بطريقة أو بأخرى.
ولكن الذي يحدث في كثير من الأحيان هو أنه يفرض عليك التأخر أو التفريط في قيمة الوقت، فعندما تقف أمام موظف غير مبالٍ فيؤخرك ويأخذ من وقتك الكثير لمراجعة معاملة يفترض أن يتم إنجازها خلال نصف ساعة، فيتركها بين يديه يوماً أو اثنين، أو عندما تذهب لمستشفى متقيداً بالموعد بالساعة والدقيقة، فتؤخَّر ثلاث ساعات أخرى دون أي اعتذار أو أسف، أو حتى عندما تكون مدعوّاً لمناسبة اجتماعية وكُتب في ورقة الدعوة إن الحضور عند الساعة الثامنة، فتحضر عند تمام الثامنة، ولكنهم يؤخرونك حتى العاشرة لأن بقية الضيوف لم يصلوا.
بل حتى في الأروقة العلمية، تجد المعلم يحدد اختباراً، فيأتي الطلاب مستعدين لكن نسبة منهم غائبون، فيقوم المعلم بتأجيل الاختبار، فيكافئ المتأخر ويعاقب الذي حضر مستذكراً دروسه مستعداً للاختبار.. والأمثلة في هذا الإطار طويلة، عن ممارسات يومية نشاهدها، يتم خلالها هدر وقت وجهد الآخرين.
ولا يكتوي بمثل هذه الممارسة إلا من يريد أن يحافظ على وقته، ويريد أن يشغل نفسه بكل ما هو مفيد.
أخشى أننا في عالمنا العربي لا نملك ثقافة حقيقية تقدّر الوقت وتوليه قيمته الحقيقية، لأننا كما هو معروف لا نقوم بتلقين أطفالنا منذ نعومة أظفارهم هذه الفضيلة العظيمة، فضيلة المحافظة على الوقت وصرفه في ما يعود على الفرد والمجتمع بالفائدة، وببساطة نحتاج أن نلوم أنفسنا لا الوقت .. فالتقصير يحدث دوماً بسببنا.