بين مجلس الشعب ومتحف باردو تمت العملية "الإرهابية" يوم الإربعاء 18 مارس/آذار على يد خمسة من "شباب" تونس، حسب رواية وزارة الداخلية، ويا تونس متى أنجبتِ أبناء عاقّين يحملون السلاح في وجوه الناس. تفاعلوا مع الفكر الجهادي الذي يحملونه بشكل هستيري، فكان الكلاشينكوف يرمي الرصاص نحو كل من مرّ أمامهم "كان الشاب يطلق الرصاص بشكل عشوائي" حسب شهادة سائق إحدى الحافلات التي كانت تقلّ السياح.
خلال هذه العملية، سقط من سقط من قتلى (22 قتيلا من بينهم تونسيّيْن، والكلب البوليسي عقيل) وأصيب من أصيب بجروح (50 جريحا)، كما قتل اثنين من منفذّي العملية وتم القبض على الثلاثة الآخرين.
دخلوا مجلس الشعب مجهزين بالكلاشينكوف والقنابل والأحزمة الناسفة، وبأدمغة فارغة إﻻ من فكر عقيم، وقلوب تملأها الضغينة على "كفّار" الأمة والوطن.
لكل فرد زاوية نظره في مسألة اﻷمّة والوطن وما قد تحمله هاتين الكلمتين من معنى.
الوطن بالنسبة إليهم رجال بلحى شعثاء ونساء/عورات خصلة واحدة من شعورهنّ تغري العابرين وتسبّب إحدى الكبائر. ممنوعات كثيرة وخطوط حمراء ومحظورات وتعبّد لله بالذبح والجلد والصلب والحرق.
الوطن بالنسبة إليهم فارغ من التاريخ "الوثني" الذي تمتلئ به المتاحف التونسية، فارغ من "الطاغوت" من رجال الأمن والجيش والسلطة، فارغ من سيّاح من بلاد الكفر عاريوا الزنود والفخاذ.
الوطن أن يقتلوا ما اشتهوا من "كفّار" لتطهير أرضه من "نجاسة" الفكر الحداثي الممتلئ بـ"خزعبلات" مفكّرين نهضوا بتونس كالمرحوم الطاهر الحداد، وقيم الدولة التونسية الحديثة التي بناها الزعيم الحبيب بورقيبة، والديمقراطية "الحرام" التي جاءت بها "ثورة" كانوا هم أول المستفيدين منها بداية من إخراجهم من المعتقلات إثر العفو التشريعي العام، وصوﻻ إلى حقّهم في المشاركة في العمل السياسي وتكوينهم للأحزاب، وحرية اللباس والتنقل والتجمّع والتظاهر... إلخ
الانتقال من موقع سيادي (مجلس الشعب) إلى موقع تاريخي (متحف باردو)، والإثنان لهما من الرمزية ما يقلق هؤلاء الشباب ومن يقودونهم نحو الجنة الموعودة/الهاوية.
ما حصل بمتحف باردو يذكرنا بما حصل في متحف الموصل منذ مدة من تخريب لجزء كبير من تاريخ بابل وآشور، وما حصل من قبل من تدمير وحرق لمراقد أنبياء كيونس وخضر، وقبلهم تماثيل بوذا في أفغانستان.
رمزية التاريخ في مواجهة الجهل؟ أم هي جزء من خطّة دولية لطمس معالم المنطقة التاريخية والحضارية؟
رمزية السلطة "الديمقراطية" في مواجهة ديكتاتوريّة التطرّف الديني/الإسلامي؟ أم هي محاولة لمحو فكرة الدين المتسامح في عيون الآخرين؟
تنظيم داعش الذي تبنّى عمليّة باردو "الجبانة" كما وصفها رئيس الحكومة التونسي الحبيب الصيد، ليس التنظيم المتطرّف الوحيد في العالم، فكلّ الديانات أنجبت مجموعات متطرّفة تقتات من الدم كشكل من أشكال التقرّب إلى الله. فكرة الدولة الدينية نفسها ليست مستوحاة من فكر السلفيين الذين يريدون إعادة الخلافة الإسلامية، فإسرائيل قامت على فكرة الدولة الدينية، كما أن الحروب الصليبية من قبل قامت على الفكر الديني المتطرّف.
التعصّب ليس رهن دين بعينهِ، بل بفكر تجذّرت فيه الأنانية وتفضيل الذات على الآخرين، والاستعلاء من خلال اعتبارهم لأنفسهم "شعب الله المختار" مقارنة بغيرهم من أهل الديانات الأخرى، والدين الوحيد القادر على حكم العالم، والنظر إلى الآخر أنه كافر وأن قتله هو أسهل الوسائل لدخول "الجنة الموعودة"، حيث الحور العين والنِعم... إلخ
التعصّب فكر متجذّر منذ الأزل في طوائف ارتبط اسمها بالدين، واعتبرت نفسها جيش الله وجنده المدافعين عنه. فهل يحتاج الله جلّ جلاله بشرا ضعيفا ليدافع عنه؟ أليس الله أقدر بتدبير أمر الخلق بدل أن يدبّر مثل هؤلاء أمره؟