في نظري لا توجد كيمياء بين النساء وبين كرة القدم، إلا في حالات نادرة جداً، وهو أمر طبيعي لأن اللعبة ذات الشعبية الجارفة في العالم لا تدخل ضمن نطاق اهتمامات النساء، على عكس الرجال الذين يضعونها في أولى اهتماماتهم. لكنني وجدت في تركيا واقعاً غير مألوف، فالنساء يخصصون جزءاً مهماً من حديثهن لكرة القدم التركية وأنديتها، قد لا يقل أهمية عن الحديث النسائي المعتاد! أبرز مثالين يثبتان ذلك وجدتهما في المقاهي والملاعب.
في تركيا يحضر غالب الناس في المقاهي صباحاً ومساءً، الوجوه نفسها.. الأحاديث نفسها.. الطلب نفسه.. القهوة التركية.. التدخين، أحياناً تعتقد بأنهم شركاء في المقهى. يتناثر الحديث عن الدوري التركي وأنديته على طاولات الزبائن، الأندية الكبار تستحوذ على الحديث، فنربخشة وغلطة سراي وبشكتاش، والنساء يشاركن في الحديث. لا أعرف اللغة التركية وقد تكفل أصدقائي بالترجمة، وأتصور لو أن الأتراك يجيدون اللغة الإنكليزية جيداً، فقد يسهم حديثهم بأن يجعل الدوري التركي من أهم الدوريات العالمية.
قالت لوبانا التي تعمل في مجال الإعلانات: «كل بيت في تركيا يتحدث عن الدوري والمنتخب واللاعبين، كما نتحدث عن أبطال المسلسلات والأفلام التركية.. معظم النساء من مشجعي فنربخشة». لعل ما حدث في ليلة 20 سبتمبر 2011 دليلاً قاطعاً لما قالت لوبانا، فتلك الليلة شهدت حدثاً تاريخياً في عالم كرة القدم، إذ تابع لقاء فنربخشه ومانيسابور نحو 43 ألف متفرج من النساء والأطفال دون 12 عاماً فقط لتشجيع فنربخشه، وذلك بعد أن عاقب الاتحاد التركي جماهير فنربخشه «الرجال» بالحرمان من حضور مباراتين على خلفية أحداث شغب تعود لإحدى المباريات.
تلك المباراة قالت عنها قناة «سي إن إن» الأميركية في معرض أخبارها، إنه كان من المتوقع أن تخلو المدرجات من الجماهير، إلا أن نساء فنربخشه وأطفالهن قاموا باستغلال التذاكر المجانية لملء المدرجات بالأغاني والشعارات والشغف كما كان يفعل الرجال. ويبدو أن إدارة النادي استغلت الثغرة القانونية جيداً، فقرار حرمان الجماهير كان يختص بالرجال فقط، لكن قبل 24 ساعة من صافرة البداية، سُمح للنساء والأطفال بحضور المباراة، وفي اليوم الآتي للمباراة انتشرت صور النساء بقمصان الفريق - ذي الشعبية الجارفة في تركيا - عبر وسائل الإعلام العالمية، ووصف بأنه أكبر حضور نسائي لمباراة كرة قدم في العالم! وبالتأكيد هذا يصب لمصلحة الكرة التركية قبل نادي فنربخشة، الذي صرح مسؤوله علي كوتش بأن «نساء فنربخشه» أظهرن ماذا يستطعن أن يفعلن لأجل النادي.
حقيقةً، أعتبر الحديث الدائم عن كرة القدم هو مظهر رجولي، لأسباب مرتبطة بطبيعة مجتمعنا العربي، لكن أن تشارك النساء في الحديث وبجرأة وحرارة كما شاهدت في المقاهي وحضورهن للمباريات، يجبرني على احترام النموذج النسائي كروي في تركيا الذي لا يوجد مثيل له في آسيا أو حتى أوروبا، قد يكون في البرازيل أو الأرجنتين.. لا أعرف!
مع إعجابي بهذا النموذج، إلا أنني لا أتمنى أن أراه في مجتمعتنا العربي، فالمسألة خارجة عن إطار المألوف. لا زلنا نعاني من الغث الذكوري في قضايانا الكروية... تخيل أن تشاركنا إناث فيها؟ يا لطيف!