قُتلت 24 امرأة بين شهري نيسان (أبريل) 2010 وتموز (يوليو) 2013 نتيجة جرائم العنف الأسري في لبنان، فيما عشرات أخريات يعانين يومياً من العنف الجسدي، اللفظي والجنسي. رقم لا يمكن إلا الوقوف عنده، نظراً الى ما يظهره من خلل في التعاطي مع أبسط حقوق الإنسان، أي الحقّ في العيش بأمان والحفاظ على السلامة الشخصية. وليس جديداً أنّ المرأة تعنّف في منزلها ومن أقرب المقرّبين إليها، أي زوجها، لكن المختلف في العامين الماضيين أنّ التوعية حول هذا الموضوع باتت أوسع، خصوصاً بعدما جعل الإعلام اللبناني نفسه جزءاً من معركة حماية المرأة من العنف الأسري، وهذا ما فتح النقاش في شكل أوسع حول هذا الموضوع. فكلّما ارتفعت وتيرة المطالبة بحماية المرأة، وجدت هذه الأخيرة الشجاعة للتبليغ عن تعرّضها للعنف في منزلها بعدما كانت تتحمّل الضرب لسنوات طويلة وصولاً الى الموت في بعض الحالات.
وعلى رغم الهالة السوداء التي تحيط بموضوع العنف الأسري ضدّ المرأة، فقد شهد العام 2013 تقدّماً إيجابياً في هذا المجال، من خلال مبادرة منظّمة «كفى عنف واستغلال» بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي. فبعدما كانت المرأة تخشى تبليغ قوى الأمن عن وضعها أو تتردّد قبل أن تتّصل بالمخفر لتشكي حالتها، تغيّرت الظروف كثيراً مع التزام قوى الأمن الداخلي بشعار «ورانا مهمّة، إذا مهدّدة ما تتردّدي إتصلي فينا -112». وتشرح المنسّقة الإعلامية لمنظّمة «كفى» مايا عمّار لـ «الحياة» عن هذا المشروع الذي بدأت المنظّمة العمل عليه منذ نحو سنة وتسعة شهور، حيث تمّ التعاون عن قرب مع الضبّاط والعناصر لتدريبهم على التعامل مع المرأة المعنّفة، وقد شملت التدريبات 12 مفرزة قضائية في لبنان ونتج منها إصدار بطاقة تعليمية حول العنف الأسري، وأخرى حول مهارات التواصل اعتُمدت في معهد قوى الأمن.
سابقة قضائية
وقد استطاعت الحملة حتّى الآن تحقيق نتائج إيجابية وفق عمّار، فأعداد النساء اللواتي اتصلن بقوى الأمن الداخلي للتبليغ عن تعرّضهن للعنف زاد في شكل ملحوظ، وكذلك عدد القضايا المحالة من قوى الأمن إلى منظّمة «كفى»، وبالتالي فإنّها استطاعت كسر حاجز الخوف الذي كان يمنع المرأة من التبليغ وحماية نفسها. إلا أنّ عمّار ترى أيضاً أنّ هناك ضرورة للتعاون مع النيابات العامة التمييزية لكي تصدر قرارات تتعلّق بإجراءات الحماية على رغم عدم صدور قانون حماية النساء من العنف الأسري بعد. وهنا تجدر الإشارة إلى وجود سابقة قضائية في هذا المجال، حيث أصدرت المحامية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية أرليت تابت قراراً لحماية سيدة وأطفالها من التشرّد بعدما طردهم الزوج، وقد جاء في قرار القاضية أن البيت يُعاد فتحه أمام العائلة إلى حين تحديد بديل. ومثل هذا الإجراء يعكس مدى تأثير حملات التوعية على العاملين في مجال القضاء والأمن، سواء من جانب منظّمة «كفى عنف واستغلال» أو سائر الجمعيات الناشطة في المجال ذاته. ويذكر أيضاً حملة «منظّمة أبعاد» تحت شعار «كلمة الله يساعدها ما بتساعدها» للإشارة إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية المرأة من العنف وتبليغ قوى الأمن الداخلي عن أي حالة تتضمّن العنف بسائر أشكاله.
القانون المؤجل
في مقابل هذه الخطوات الإيجابية التي تحقّقت على صعيد القضاء والأمن، لا تزال الخطوة الأكبر متعثّرة، أي إقرار الهيئة العامة للمجلس النيابي قانون حماية المرأة من العنف الأسري أو ما اتفق على تسميته بـ «قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري»، بعد نقاشات اللجان النيابية المشتركة. فمشروع القانون الذي قدّمته منظّمة «كفى عنف واستغلال» أقرّ في اللجان مع تعديلات تحفّظت عليها الجمعية والناشطات الحقوقيات، لكن المرحلة التالية التي تأجلت إلى العام 2014 وربما أكثر هي إقرار القانون في المجلس النيابي ليصبح ساري المفعول، خصوصاً أنّ هناك تأجيلاً مستمراً في عقد الهيئة العامة للبرلمان وغياب صفة التشريع عن هذه المؤسسة الرسمية.
وفي هذا السياق، ترى عمّار أنّه لا يجب الوقوف مكتوفي الأيدي بانتظار إقرار القانون، إنما تكثيف الجهود العملية تماماً كما حملة التعاون مع قوى الأمن الداخلي وغيرها من الأجهزة، مع الاستمرار في الضغط لإقرار القانون. وتؤكد أنّ هناك حاجة الى توسيع إطار الحملة الضاغطة على النوّاب لكي يقرّوا المشروع، فتكون هناك مطالبة شعبية به لمنع تكرار حالات الوفاة جرّاء العنف الأسري.
هكذا يكون العام 2013 قد حمل بادرة أمل إلى المرأة اللبنانية التي تطالب بحقّها في العيش بسلام وأن يُحاسب المعتدي عليها من جانب الجهات المعنية، مع حماية أطفالها أيضاً الذين يتعرّضون إلى التعنيف أحياناً كثيرة.
لكنّ المسيرة في العام 2014 مستمرة، ولا يبدو أنّ الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة سيهادنّ أو يقبلن بأي تسوية، خصوصاً أنّ الأنظار تتّجه أكثر فأكثر نحوهن وتزداد المسؤولية التي تلقى عليهن لحماية المرأة في أي منطقة لبنانية، ومهما كان وضعها الاجتماعي أو الاقتصادي أو انتماؤها الطائفي.
الحياة