هناك كثير من المراجعين يأتون للعيادة يعانون فقد أحبائهم وأقربائهم، وهذه الحالة تتكرر من حين لآخر ونراها كثيراً في محيطنا، ففقد الناس الذين نحبهم ليس بالأمر السهل، خصوصاً إذا كان هناك ارتباط كبير بهم، فتأتي الأفكار السيئة لدينا وندور في دوامة الحزن، فنشعر بعدم القدرة على الاستمرار في الحياة بعد فقدهم.
والفقد أنواع، فهناك فقد المرض والموت والسفر والانفصال والاختفاء، وفقد العزيز أو الحبيب، كما أسلفنا سابقاً، ليس أمراً سهلاً، علماً بأن فقد الموت سنة من سنن الحياة، فكل طفل يولد يقابله شخص يموت، وهناك أشخاص يختفون من حياتنا ويتركون فراغاً كبيراً.
فإحساسنا بالألم بعد الفقد لا يأتي من فراغ، بل عندما يكون الشخص قد ارتبط بعلاقة وطيدة مع الآخرين، فعلاقة الطفل بأمه تبدأ منذ أن كان جنيناً في رحمها، فالأم تحميه من الأضرار الداخلية والخارجية، ويرتبط بها ارتباطاً كبيراً، لذلك يجب على الأمهات أن يكوّنّ مع أطفالهن علاقة سوية وثابتة ووطيدة، حتى ينجح الأطفال مستقبلاً في تكوين علاقات جيدة مع أصدقائهم أو أحبائهم.
فهؤلاء الذين تأثروا بعد فقد عزيز عليهم، كانت علاقتهم تسمى «الالتصاق»، أسوق مثالاً واضحاً فبعد وفاة آبائهم أو انفصالهم أو خروجهم من حياتهم لأي سبب، يفقد الطفل الأمان، ويشعر بالخوف من مغادرة الشخص الذي أحبه وتعلق به، فهؤلاء الأشخاص الذين عانوا فقد أحبتهم، حتماً لن يستطيعوا منح الذين معهم الحب والأمان.
إن فقد الأشخاص، بعد التحليل، يعني فقد الأمان والحماية، لذلك أؤكد أن العلاقات مهمة جداً، فيجب علينا حماية أنفسنا بمنحها الأمان وإعادة تنظيم أمورنا وإضافة عدد كبير من الأشخاص الذين نثق بهم إلى حياتنا، ممن نلتمس فيهم الأمان كالأب والأخ الكبير والأم، فإذا حدث الفقد يكون أخف وطأة وذلك بوجود أناس قد يساعدون في تجاوز الشخص محنته وألمه، خصوصاً فئة المراهقين الذين يلتصقون بأمهاتهم وآبائهم، فعلاقاتهم قد تكون قوية ولكنها وحيدة، فالمراهق الذي يلتصق بأخيه أو صديقه ويفقده، سوف ينقلب كيانه ويصاب بالألم والتعاسة في حياته ويتمنى الموت والرحيل.
لذلك أنصح الذين فقدوا أي عزيز بإعادة التفكير، وأن ينموا الأمان الداخلي من خلال علاقتهم بالآخرين وتعويض ما فقدوه، أما الذين ما زالوا في دوامة الحزن بعد الفقدان فأنصح هؤلاء بمراجعة الأطباء والاختصاصيين النفسيين والمعالجين حتى يستطيعوا أن يستعيدوا حياتهم وأن يعيدوا الأمان إليها.