لا عجب أن المرأة الأردنية في المجتمع الأردني تراوح مكانها منذ عقود؛ تقدم هنا وتراجع هناك يمثلان مسيرة المرأة الأردنية منذ أكثر من ثلاثة عقود. إذ تحقق المرأة بعض المكاسب في السياسة أو القانون أو التعليم، لكن تكتشف أن هناك سياسات أو إجراءات في مكان آخر تؤدي الى نتائج عكسية.
قانون الأحوال الشخصية يُشكل مثالاً صارخاً على ذلك. إذ حدد القانون الحالي السن الأدنى للزواج بـ18 سنة، ما اعتبر في حينه تقدماً مهماً في مجال حقوق المرأة، ومن أجل حماية المرأة. لكن القانون نفسه أباح للقاضي، وبموافقة قاضي القضاة، أن يأذن في حالات خاصة بزواج من أكملت الخامسة عشرة من عمرها، وفقاً لتعليمات يُصدرها قاضي القضاة لهذه الغاية.
التعليمات، وفقاً لدائرة قاضي القضاة، جاءت عامة جداً، وتسمح للمواطنين باستغلال الاستثناءات الموجودة في القانون. فمثلاً، أحد الاستثناءات ينص على التحقق من الرضا والموافقة التامين للزوجين، وهو شرط مهم وموجود لمن هم فوق سن الثامنة عشرة. وإذا ما أخذنا الواقع الاجتماعي للمجتمع الأردني، فسنجد أنه من السهل الإقرار بالموافقة أمام القاضي. ومن دون الدخول في التفاصيل، فإن بقية الشروط هي أيضاً فضفاضة، الأمر الذي يسمح للأهل أو المجتمع بتأويلها وتفسيرها بطريقة تسمح لهما إتمام الزواج للفتيات القاصرات اللاتي هن أكبر من 15 عاماً وأقل من 18 عاماً، كما هو محدد بالقانون. ولا يوجد دليل مادي على حدوث ذلك في الممارسة، لكن كيف نفسر زواج 10834 قاصرة في الأردن العام الماضي، والذي يشكل ما نسبته 13.4 % من إجمالي حالات الزواج في ذلك العام؟ وهي النسبة نفسها تقريباً التي كانت في الأعوام السابقة أيضاً.
وتترتب على زواج القاصرات نتائج سلبية كبيرة على "الفتيات" المتزوجات، وعلى المجتمع أيضاً. فزواج القاصرات هو، أولاً، سلب لطفولتهن، وحرمانهن من حق الطفولة والتعليم والعمل، وتحقيق الذات والاختيار. إذ إنه من غير المقنع أن هؤلاء الفتيات يمتلكن الأهلية الذهنية والنفسية لاتخاذ قرار مصيري كالزواج، ومن المشكوك به أيضاً قدرتهن على تكوين أسرة في هذه السن المبكرة، وتربية وتعليم الأطفال الذين سينتجون عن هذا الزواج.
والزواج في هذا العمر المبكر سيطيل، أيضاً، العمر الإنجابي للمرأة، وسيكون على أقل تقدير أكثر من عشرين عاماً. ما يعني أن عدد الأطفال الناتج عن هذا النوع من الزواج سيكون أكبر بكثير من معدل الإنجاب على المستوى الوطني. وهذا يطرح أسئلة على الحكومة يجب أن تفكر فيها، وتجيب عنها، وبخاصة فيما يتعلق بالإنفاق على تعليمهم ورعايتهم الصحية، وتوفير فرص العمل لهم في المستقبل، أو تقديم الدعم المالي لهم في حالة انزلاقهم إلى خط الفقر، الأمر الذي سيرتب أعباءً مالية تتكبدها الحكومة بناءً على خيارات فردية لفئة من المجتمع.
نحن لا نشك في نزاهة القضاة الذين يعقدون هذه الزيجات، وأنا متأكد من نبل النوايا لديهم، وأن همهم دائماً المحافظة على حقوق المجتمع؛ ذكوراً وإناثاً. ولكن نتمنى، أيضاً، أن يتم الانتباه الى الأبعاد المتداخلة على القاصرات والمجتمع نتيجة هذه الزيجات. والأصل في القانون ألاّ يتم السماح بالزواج دون سن الثامنة عشرة، والاستثناء هو للتعامل مع الحالات الإنسانية والظروف الصعبة التي قد يتعرض لها بعض أفراد المجتمع، لكن بلوغ نسبة زواج القاصرات 13 % من الزيجات يجب أن يشكل" جرس إنذار" على الأقل، يؤدي إلى مراجعة شاملة لهذه التجربة. وبالنسبة للحكومة، فقد آن لها أن تبلور سياسات اجتماعية متكاملة، وأن تراجع القوانين كافة من منظور شمولي، وألاّ تسمح لبعض أفراد المجتمع في الاستمرار بسلوكيات لا يختلف اثنان على آثارها السلبية على المجتمع أو بعض أفراده.