خلال رعيها للأغنام أو تصنيعها الجبن أو إعداد الطعام في خيمة من الصفيح، تحلم الفتاة البدوية في أن "يفتح الله عليها" وتغادر حياة الشقاء وتصبح مثل "ناديا " التي باتت تدير منتجعا سياحيا قرب أريحا بالضفة الغربية حيث يعمل تحت إمرتها عشرون رجلا وامرأة . المئات، وربما الالاف من البدويات يتابعن تجربة رائدة لواحدة كانت تعيش مثلهن وبينهن، حياة أقل من متواضعة وأكثر من بائسة، ويتخيلن أنهن قادرات على تجاوز الحدود وخرق التقاليد والتحول إلى "نساء أعمال".
"أصحو في الخامسة صباحا لأحلب النعاج وأسخن الحليب وأصنع الجبن فإذا هي الساعة السابعة فأكنس الحظيرة ثم اعد إفطارا لإخوتي الصغار قبل توجههم الى المدرسة ولوالدي ووالدتي المريضة وجدي ولي طبعا، ثم اقود القطيع الى المرعى حتى الواحدة فأعود لأسقى الأغنام واستريح قليلا. لابدأ بعد راحة بسيطة،في الإعداد للوجبة الرئيسية – العشاء – للعائلة لنسهر بعدها مع أقارب أو جيران فنشاهد مسلسلا تلفزيونيا قبل أن أنام مبكرا واصحو كما في اليوم السابق". هذا ملخص الحياة اليومية لنجود العشي إبنة الثالثة والعشرين عاما التي تعيش في منطقة الأغوار قرب مدينة اريحا في المضارب التي أقامتها العشيرة المكونة من ثلاثمئة وعشرين فردا.
خيم من الصفيح أو القماش المقوى، بلا كهرباء أو ماء جاري، اذ يشتري البدو الماء في صهاريج كبيرة للاستخدام المنزلي ولسقي القطعان في حين يشغل الميسور منهم محركات تعمل بالوقود للإضاءة وتشغيل بعض الأجهزة الكهربائية.
لا يختلف حال بقية عشائر البدو الفلسطينيين عن حال عشيرة العشي، خاصة بعد أن ضاقت بهم الأحوال نتيجة لتقليص مساحات الرعي بقرارات عسكرية اسرائيلية . ورغم أن بعض الأسر البدوية هجرت المضارب وانتقلت للعيش في مدينة أريحا أو مدن أخرى وبلدات وقرى، وتحول نمط حياتها، فإن سائر البدو ما زالوا يعيشون نمطا تقليديا ومصدر رزقهم الأساسي هو الثروة الحيوانية، فيما يقتصرعمل النساء على العناية بالأغنام وبالأسرة. وإن دفعت تكاليف الحياة شباب البدو إلى البحث عن مصدر رزق خارج المضارب بالعمل في البلدات والقرى والمدن القريبة فإن التقاليد لم تتغير كثيرا عن السابق فيما يخص المرأة التي ظلت تابعا وعالة على الرجل رغم أنها تقوم بأعمال قد تفوق عمل الرجال مشقة.
تعليم "فك الحرف"
بعض العشائر كانت محظوطة برعاية منظمات دولية انسانية ومنظمات غير حكومية فقامت بتجهيز بعض الخيام وبيوت الصفيح لتصبح مدارس شبه بدائية وهو ما دفع الاهالي إلى السماح لأطفالهم بالالتحاق بهذه المدارس والبعض تحمس وأرسل بناته للتعلم في المدارس ولكن للمراحل الأولى." تعلمت حتى الصف الخامس الابتدائي، حيث رفض والدي ارسالي الى المدرسة بعد ذلك لأن هذا يتطلب السفر الى اريحا يوميا "، تقول فاطمة الحسان مضيفة "مع انني كنت اتعلم واساعد في اعمال البيت والرعي وغير ذلك ومن حينه وانا اندب حظي حين ، واقارن حالي بالنساء التي اراهن في المسلسلات والبرامج التلفزيونية واين وصلن فمنهن من تقود السيارة ومنهن من تقود الطائرة وهناك ناديا مليحات التي تدير منتجعا سياحيا". لكن فاطمة تؤكد انها لن تيأس فهي تمكنت بعد جهود كبيرة من اقناع والدها بالسماح لها بالعمل في إحدى المؤسسات في بلدة أبو ديس، القريبة من القدس ، كعاملة تنظيف. " عملت سنة ونصف ثم قرر والدي أن اتوقف بحجة انه سمع ان فتاة تعرضت لتحرش واعتداء من قبل ثلاثة شبان وهي عائدة إلى منزلها، وانا لم افقد الامل في اقناع والدي مجددا بالعودة الى العمل ،فهو يعرف انني ساهمت في مصاريف العائلة في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة والتي تزداد ضيقا وبؤسا".
البدويات هدف تنموي
اضافة لما سبق من امثلة تدفع البدويات للنضال من أجل حق الانطلاق ودخول مجال العمل، انتعشت آمالهن مع انشاء مؤسسة " ادوار " التي تنفذ مشاريع لتعزيز مشاركة الشابات والشبان البدو في الحياة الاجتماعية. وكذلك في عمل بعض المؤسسات على تشكيل جمعيات للنساء البدويات لتعلم مهن وحرف. حيث التحقت عشرات الفتيات بدورات التأهيل وتعلمن الحياكة والتطريز وبتن ينتجن مطرزات للاستخدام التجاري كحقائب اليد، ومحافظ النقود وأغطية المساند والطاولات وغيرها.