دوماً التعميم لغة قاسية وظالمة في الوقت نفسه، وأعتقد أن من يتحدث دوماً بلغة عمومية ولا يستثني أحداً هو في الحقيقة يضع نفسه في ورطة أمام القانون والناس، وكما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «من أهلك الناس فقد أهلكهم»، ويقصد احتقار الناس وازدراءهم بالحكم عليهم، ومن هنا يتضح لنا بما لا يقبل الشك أو التأويل بأن أي موضوع يقوم على التعميم هو ظالم وفيه تجاوز وتعد على الآخرين.
كان هذا الموضوع هو محور حديث ونقاش مع ثلة من الصديقات، وحديثنا تركز على بعض الظواهر الاجتماعية غير الصحية، وهي كثيرة وموجودة في كل مجتمع دون استثناء وفي كل زمن وعصر.
أجمل ما كنا نتحدث حوله هو تساؤل طرحته إحدى الصديقات، قالت: ماذا لو انتشرت الأخلاق وقيم الخير والمحبة بين الناس والإيثار والمساعدة، هل يمكن أن نلغي أقسام الشرطة والمحاكم؟
وغني عن القول إنه سؤال حالم وهو يتنافى مع طبيعة الإنسان منذ فجره الأول حتى يومنا، وكيف يتحقق مثل هذا الحلم؟ وهو لم يوجد له مثيل أو نموذج إطلاقاً. لكن الذي يحدث أن ترتفع القيم الأخلاقية وتسمو وتتزايد في مجتمع دون الآخر، بمعنى قد تجد مجتمعاً نظامياً وفيه احترام للقانون، والجميع متفقون بطريقة أو أخرى أنهم بهذه الوضعية في أحسن حال، وأن هذه العدالة التي تحققت بفرض نظام قوي صارم على الجميع حقق للجميع مظلة من الأمن والسعادة والخير والفرص المتساوية، فتجد الأفراد في هذا المجتمع أكثر حرصاً ودقة ورعاية لهذه النظم من الأجهزة الرقابية.
وبالمقابل قد تجد مجتمعات تكثر فيها الجرائم والتخبطات والتجاوزات، ولكن المجتمعين الاثنين ستجد فيهما المحترم وذا الضمير المتيقظ وأيضاً ستجد الفوضوي وغير سليم النيات، والذي يريد تحقيق ذاته بطريقة ملتوية.
لنتخيل لبرهة من الزمن أن يتم إلغاء الإشارات الضوئية، في المجتمع المثالي، ونترك أمر تنظيم حركة السير لضمير كل واحد من أفراده، وأن يعتمدوا جميعاً على أخلاقهم وقيمهم ومبادئ الإيثار والمحبة في موضوع مثل قيادة المركبات في الشوارع والطرقات، ماذا سيكون عليه الحال؟ ألم نقل قبل قليل بأنه مجتمع مثالي؟ لن نستطيع تخيل مثل هذا الواقع أبداً، مهما كان هذا المجتمع وأفراده مثاليين، والسبب ببساطة لأنه يتنافى مع طبيعة موجودة دوماً في كل مجتمع، وهي حاجتنا للنظام، وأيضاً حاجتنا لفرضه وسن عقوبات صارمة رادعة، ببساطة لا نستطيع الركون للضمير والمشاعر.