أوليفيا لوم (Olivia Lum) واحدة من أهم سيدات الأعمال في دولة سنغافورة، حيث تُصنف كواحدة من أغنى النساء، هناك حيث تبلغ ثروتها 460 مليون دولار، وتشتهر أوليفيا بكونها المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة هايفلكس (Hyflux Group) والتي تقع في سنغافورة، وبجانب ذلك فقد شغلت العديد من المناصب في مجال الخدمات العامة، منها عضو في مجلس إدارة المجالس التشريعية لحكومة سنغافورة (سبرينغ)، ومجلس الجامعة الوطنية في سنغافورة، وبورصة سنغافورة، فضلاً عن ترأسها لجمعية المياه في البلاد.
لم تصل أوليفيا إلى المكانة التي تحتلها الآن بسهوله، وإنما عانت في طفولتها؛ حيث لم تعرف مَنْ والداها، وتبنتها سيدة عجوز في إقليم بيراك الماليزي، ولكن رغم كل ذلك لم تفقد الأمل في الحياة وبدأت من الصفر، لتصبح بعد ذلك واحدة من أغنى النساء في العالم، ولذلك ستظل أوليفيا نموذجا لامرأة مكافحة استطاعت أن تقهر الفقر واليأس بإرادتها، فربما لو وضع أشخاص كثيرون مكانها لكرهوا الحياة والمجتمع وتحولوا إلى مجرمين، ولكنها كانت تدرك شيئا واحدا وهو أن الظروف التي وضعت فيها لم تكن بإرادتها وإنما هي خطأ أب وأم لا يعرفان أو يقدران مسؤولية تكوين الأسرة وإنجاب الأبناء.
طفلة لقيطة
ولدت أوليفيا لوم في إقليم براق بماليزيا تخلى عنها والداها عقب ولادتها مباشرة، لتنشأ مع عدد من الأيتام داخل كوخ ذي سقف حديدي تشرف عليه أرملة عجوز فقيرة في إقليم بيراك الماليزي، كانت لوم تناديها دائما باسم الجدة (grand mother).
فقر مدقع
عندما كانت لوم في سن الثالثة خسرت جدتها جميع مدخراتها في رهان، كما فقدت المنزل الذي كانت تعيش فيه، وهو الأمر الذي اضطرها للانتقال للعيش في كوخ قديم لا تصله المياه.
الهجرة إلى سنغافورة
رغم كل الظروف السيئة التي نشأت أوليفيا في وسطها فإن الشيء اللافت للانتباه أنها كانت طفلة متفوقة في التعليم، ولذلك شجَّعها معلموها على الذهاب إلى سنغافورة لمواصلة تعليمها في المدارس العليا، على أمل أن تتمكن من دخول الجامعة هناك، فهاجرت إلى سنغافورة وعمرها 15 عاماً، والتحقت بمدرسة (تيونغ باهرو)، وكانت تحصل قوت يومها من خلال العمل بائعة في أحد المحلات.
دخولها كلية العلوم
بعد انتهاء المرحلة الثانوية قررت أوليفيا دخول كلية هوا تشونغ جونيور (Hwa Chong Junior) التابعة لجامعة سنغافورة الوطنية، وتخصصت في دراسة الكيمياء، لتتخرج في عام 1986 وهي تحمل شهادة البكالوريوس في الكيمياء مع مرتبة الشرف.
حياتها المهنية
بدأت أوليفيا حياتها المهنية بالعمل في شركة (جلاكسو الدوائية)، وباتت شغوفة بمجال معالجة المياه، إثر مشاركتها في تطوير نظام لمعالجة المياه لمصنع الشركة في سنغافورة، وتقول هي عن ذلك (أدركت أن هذه صناعة تبشر بمستقبل زاهر، لأن العديد من الشركات تحتاج إلى مثل هذا النظام، وذلك في ظل توجه حكومي نحو تشديد قوانين مكافحة التلوث).
وبعد انقضاء 3 سنوات، غادرت أوليفيا الشركة في العام 1989 من أجل إنشاء شركة خاصة، الشيء اللافت للانتباه أنها عندما أخبرت المشرف في الشركة أنها تنوي ترك العمل غضب منها بشدة، خاصة أن ترك وظيفة مربحة وبراتب جيد لدى شركة متعددة الجنسيات لم يكن من التصرفات المألوفة في سنغافورة.
إنشاء شركتها الخاصة
عندما قررت أوليفيا أن تترك وظيفتها كان هدفها هو أن تنشئ شركتها الخاصة، ولكن كانت العقبة الوحيدة في طريقها هي رأس المال فباعت سيارتها وشقة صغيرة لتؤسس شركتها الخاصة (هايفلكس) لتحلية ومعالجة المياه، برأسمال لا يتجاوز 20 ألف دولار سنغافوري، جمعته من خلال بيع سيارتها وشقتها.
ثلاثة موظفين فقط
بدأت الشركة عملها بثلاثة موظفين، وكانت أوليفيا تقود دراجة نارية بنفسها وتتنقل في جميع أنحاء سنغافورة لبيع مرشحات المياه والمواد الكيميائية المعالجة التي تنتجها الشركة، وتقول هي عن ذلك (لم أكن أملك أي شيء، لا نقود ولا علاقات، بالإضافة إلى ذلك كان من الصعب أن تتمتع بالمصداقية كشركة صغيرة، لذلك رغبت في أن أنفذ أعمالا ناجحة، وهو ما شكّل الأساس لثقة الناس).
نمو الشركة
حاولت أوليفيا بشتى الوسائل أن تقود شركتها الوليدة نحو النجاح فذهبت في أوائل التسعينيات إلى الصين، ونجحت في تطوير علاقات مع المسؤولين المحليين ساعدتها في الحصول على عقود هناك، وتمثل الصين حاليا أكثر من نصف مبيعات وإيرادات هايفلكس، وتعتقد أوليفيا أن وجودها المبكر في الصين منحها ميزة المبادر الأول على الشركات الدولية المنافسة، مثل جنرال إلكتريك وسويز.
وتقول هي عن ذلك: نحن شركة تركز على تكنولوجيا تنقية المياه، بينما معالجة المياه مجرد جزء واحد من المجموعات الكبرى، مثل شركة جنرال إلكتريك، نحن شركة صغيرة بدرجة تجعلها خفيفة الحركة ومرنة.
إدراج الشركة في البورصة
بحلول العام 2001 أصبحت هايفلكس أول شركة تحلية مياه مدرجة في بورصة سنغافورة، وفي أبريل عام 2003 أصبحت مدرجة في اللوحة الرئيسية لبورصة سنغافورة.
تحول الشركة إلى إمبراطورية كبيرة
نجحت هايفلكس في استغلال عملها في تنفيذ المشاريع الكبرى في سنغافورة للفوز بمشاريع مماثلة في الصين، وتزامن إنشاء تلك المشاريع مع تفاقم القلق في سنغافورة بشأن الاعتماد في مواردها المائية على ماليزيا التي تسوء العلاقات معها في بعض الأحيان، وأطلقت الحكومة برنامجا يهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من المياه، وهو الأمر الذي أسهم في بلورة سمعة هايفلكس كمنافس دولي في تنفيذ مشروع لإعادة تدوير المياه، يسمى (نيووتر) أو المياه الجديدة، كما استطاعت الشركة تشييد أكبر محطة لتحلية المياه في آسيا على الساحل الغربي لسنغافورة.
كما أسست هايفلكس شراكة من أجل إدارة محطة تحلية المياه في سنغافورة مع تيماسيك هولدينجز (Temasek Holdings) الشركة الاستثمارية الحكومية، والتي تعتبر إحدى أكبر شركات الاستثمار الآسيوية، كما حصلت «هايفلكس» على موطئ قدم لها في الشرق الأوسط بفوزها بعقود لإنشاء مشاريع لتحلية المياه في دبي.
تقول أوليفيا عن ذلك: «هذه المشاريع تضيف الكثير لسجل إنجازات الشركة، ويمكننا أن ندعي الريادة في هذا الحقل، وقد أضافت تيماسيك مصداقية لأعمالنا، فعندما تصطحب اسم شركة تيماسيك إلى خارج سنغافورة ينظر إليك الناس كشركة جادة».
دخولها قائمة فوربس
بحلول العام 2005 بلغت ثروة لوم أكثر من 240 مليون دولار، والتي أهّلتها لدخول قائمة فوربس لأغنياء جنوب شرق آسيا، ولتكون بذلك السيدة الوحيدة التي شملها التصنيف، وفي عام 2007 بلغت قيمة علامة «هايفلكس» مليار دولار، وأصبح عدد موظفيها يزيد على 800 شخص، وتبلغ ثروة أوليفيا الآن وفقا لموقع ويكيبديا 460 مليون دولار.
نموذج يحتذى به
تحولت أوليفيا إلى رمز يمثل روح المغامرة الاستثمارية، وتقول هي عن ذلك: «أعتقد أن النمو الذي حققته هايفلكس من كونها مجرد شركة صغيرة دفع الناس حتماً إلى ربط الشركة مع مؤسستها، وإذا قرأت قصة حياة شخص ما فإنك حتما تريد أن تقرأ أكثر عن الشركة، يتأثر الناس دائماً بالتفاصيل الشخصية، لكن لا أعتقد أن ذلك يدعم سعر السهم، إنما يجعل الشركة تبدو أكبر حجماً على شاشة العرض.