قناة (ام بي سي بوليود ) المتخصصة بعرض انتاج بوليوود من الافلام والمسلسلات الهندية ، تبث شعارا دعائيا بين الفقرات المعروضه يقول :
( بوليوود ، كما لم تعرفها من قبل)
وفي رأيي ان ذلك الشعار المرفوع هو اصدق تعبير عن حالة الاغتراب التي باتت تعانيها السينما الهنديه في ايامنا هذه .
وقبل ان تُعرض ( عزيزي القارىء ) عن متابعة قراءة المقال ، وتتهمني بالاهتمام بتوافه الامور في هذا الزمن الصعب ، اقول انني لست من المهووسين بمتابعة الافلام والمسلسلات سواء العربية او الاجنبية او الهنديه ( والاخيره محور مقالي اليوم) الا انني ومن خلال متابعتي لبعض ما يعرض الان من افلام ومسلسلات هنديه ، وبين ما كنت اشاهده في طفولتي وصباي، اجد تحولا كبيرا في المشاهد البصريه وان كان المحتوى الدرامي لم يتغير كثيرا،، قصص حب وخيانه والصراع بين الطبقات ، التحديات التي تحول بين زواج الفتاة الغنية من حبيبها الفقير او العكس ، قصص الفاسدين والمتسلطين ، الابطال الخارقين ، كل ذلك وسواه ما زال مطروحا في انتاجهم ، الذي تغير كما قلت هو الجرأة الزائدة في طرح مشاهد بصريه تخدش حياء الاسرة المتابعة لهذا الانتاج .
رقصات غريبه ، عري فاضح ، فتيات يرتدين شورتات بالكاد طولها شبر ، حركات ماجنة وايحاءات مبتذله من كلا الجنسين ، واللغه اصبحت خليطا من الاورديه والانجليزيه لا يكاد الحوار بين الابطال يستقر على نمط واحد . فعلا انها ليست بوليوود التي كنا نعرفها من قبل ، ولا اظن انها باتت تعبر عن المجتمعات الهنديه المحافظه ، فقبل عقد او اكثر من الزمن ثارت ضجة في الهند لمنع تنظيم المسابقة العالميه لاختيار ملكة جمال الكون في الهند ، وحاولت فعاليات مجتمعيه منع اقامتها لديهم بسبب تعارضها مع القيم الاخلاقية السائدة عندهم . في السابق كان صناع الافلام يحتالون من اجل اخراج مشهد عاطفي حميم دون المساس بالخطوط الحمراء التي كانت معروفة للجميع انذاك ، اما اليوم فالافلام الهنديه باتت تنافس مثيلاتها الامريكيه ، ويبدو ان صناع القرار في هذا المجال ارادوا تسويق انتاجهم السينمائي في السوق الاوروبية والامريكيه ، فاختاروا طروحات اكثر جرأة من حيث مواضيع التحرر بين الشباب والفتيات ، وارتداء ازياء غير محتشمة . وادخال موسيقى غربية في الرقصات الهنديه كل ذلك جلب جمهورا جديدا حتى بات هناك الكثير من العشاق والمتابعين للسينما الهنديه في دول غربية مثل فرنسا على سبيل المثال .
السينما الهنديه جذابه وآسره بموسيقاها واغانيها العذبه ، وجمال رقصاتها وقصصها الرومانسيه ، والطلات البهيه لممثليها من الجنسين ، واكبر مثال هو النجومية التي يحظى بها النجم الهندي شاروخان على مستوى العالم .
قناة (ام بي سي بوليوود) ليست الوحيدة المتخصصة بعرض الانتاج الفني الهندي ، بل هناك العديد من المحطات الخليجيه تخصص قنوات لعرض الافلام الهنديه ، وبالطبع هناك قطاع عريض من الاجيال العربيه على امتداد الوطن العربي يعد من عشاق هذه القنوات ، بل انني لم ادرك الى أي حد بلغ هوس هذا الجيل بالدراما الهنديه الى ان بدأت بمتابعة ما يشاهده ابنائي ( وخاصة ابنتي الكبرى) على شاشة التلفزيون ، فاضطر للجلوس كل ليلة برفقتهم لمتابعة مسلسل هندي بعنوان ( من النظرة الثانيه ) يعرض حاليا على قناة ام بي سي بوليوود ، من حيث المحتوى لا يختلف كثيرا عن أي عمل فني هندي ، الا انه يملك كل المقومات الجاذبة التي ذكرتها آنفا . بالاضافة الى انه مدبلج باللهجة السورية المحببة.
تختلف ردود فعلي بين لحظة واخرى اثناء متابعة المسلسل ، فتارة احاول ان ادخل في مزاج الولدنه وامازح اولادي واعلق على المشاهد ، وتارة اشعر بالاستفزاز عندما اشاهد بطلة الفيلم تصلي امام تمثال لصنم يمتطي نمرا ، طالبة منه العون والمساعدة ، فاعود الى دور الرقيب واقول لاولادي : قولوا لا اله الا الله . ويتدخل زوجي ليدلي بدلوه مهددا بشطب القناه. وتارة اعود لحالة الغضب عندما تعرض دعاية لفيلم جديد يتم انتقاء اسوأ المشاهد للترويج له ، رقص ماجن وتركيز على مناطق معينة من اجساد شبه عاريه فاعود للصراخ في ابنائي ( شو هالمسخرة ، يالله كل واحد على غرفته) .
وما ان تنتهي الحلقة بثواني حتى تبدأ ابنتي بتلقي المكالمات الهاتفية من صديقاتها فتنسحب الى غرفتها لاسمع من وراء الباب صيحات حماسيه واستعراضا للمشاهد العاطفيه التي شاهدنها قبل قليل ، ثم اكتشفت ان هناك صفحات انشئت على الفيسبوك لمحبي المسلسل ، وهناك من الفتيات من تمارس القرصنة وتدخل على مواقع تتيح لها مشاهدة حلقات قادمه من المسلسل وتقوم بتحميل اهم المشاهد على الصفحه ليتم بعدها تبادل التعليقات بين اعضاء وعضوات الصفحه .
خلاصة القول ، لقد اكتشفت ان متاعب الحمل وآلام الولاده هما الجزء الاسهل من مهام الامومة ، اما الجزء الاصعب فهو التعامل مع الابناء في مرحلة المراهقة والنضج ، فهم بحاجة الى التفهم وعلينا ان نواكب ما يجري حولنا ، ونحاول الدخول الى عالم الابناء لنتعرف على اهتماماتهم ومحاولة توجيههم بطريقة غير ضاره ، وان نمسك العصا من الوسط ، المطلوب ان لا نتزمت معهم كثيرا ولا نرخي لهم الزمام كثيرا ، وقبل ذلك لنتذكر اننا كنا في يوم من الايام مراهقين ايضا ، نتابع بلهفة الافلام الاجنبيه والهنديه ، نرتقب مشاهدة فلم جديد للممثل اميتاب بيتشان او شاشي كابور وكنا نطرب للموسيقى الهنديه ونحفظ بعضا من اغاني الافلام ورقصنا كذلك على انغام فرقة بوني ام .
ومثال التحولات التي طرأت على الدراما الهنديه انما جئت به للتدليل على ان العالم يتغير من حولنا ومزاج الشباب في العالم بات متقاربا من حيث الاهتمامات والتطلعات ، ولم اقصد ان الصق بالسينما الهنديه كل المساوىء ، فهي كمثيلاتها السينما العربيه والامريكيه وسواها ، تحتوي على الغث والسمين ولن انظر اكثر من ذلك ، فكل اسرة ظروفها الخاصة واساليبها المناسبة لحماية ابناءها من قيم غريبة عنا .