الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

نقطة

  • 1/2
  • 2/2

الكاتبة الصحفية: أسماء محمد مصطفى - العراق- خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

ـ أنتَ نقطة !
هذا ماسمعته من المرأة المسنة الغريبة التي جلست قربي في محطة القطار ، وهي تراني أكتب شيئا ما في دفتر ملاحظاتي الصغير ، واتحدث بهاتفي الجوال بقوة الى أحد موظفي شركتي حتى وصفته بالغباء والعته، ورحت أعدد صفاتي العظيمة التي أوصلتني الى تكوين شركة كبرت شيئا فشيئا بذكائي حتى وصلت الى هذا الشعور بالثقة والعظمة ..
تركت المرأة مكانها على مقعد الانتظار الذي تقاسمنا الجلوس عليه ، واختفت بين زحام الناس ، بينما تمعنت النظر في الصفحة التي كنت أكتب فيها ، من غير أن أفهم ماقصدته المرأة .
حملت حقيبتي بإتجاه القطار الذي وصل ، وإتخذت مكاني فيه .. جذبت نظري نقطة صغيرة بدت كشامة على ظهر المقعد الذي امامي ، فتناهى الى سمعي صدى صوت المرأة المسنة .. أنتَ نقطة ـة ـة ةةةةةة ..
ما أنا ؟ نقطة في كلمة ؟ في خط شروع ؟ في آخر سطر ؟! باعتباري شخصا مهما له الكلمة الأخيرة كما الاولى .. شعرت بالزهو ..
أتعب سمعي ضجيج حركة القطار ، ومضي الأشجار القائمة على امتداد الطريق من أمام عيني .. حتى شعرت بالدوار ..
فجأة ارتطمت بالشباك قربي وأخذت أدور  مع حركة انقلاب القطار الرهيب !!
وهالني تدفق دم كثير من رأسي .. وأوجعني سقوط رجل عليّ مما زاد من حدة ارتطامي بهذا الجانب من القطار وذاك ..
بالكاد استطعت فتح عيني ّ .. فثمة دوامة من الدخان والأشخاص والحقائب والأحذية  وبعض النظارات متكسرة الزجاج ، دارت بي  .. كنت أهوي الى قعر عميق يزداد ظلمة مع استمرار السقوط الذي استمر من غير أن أعرف متى ارتطم بالقاع .. بدا لي أن السقوط سيطول قبل أن يحين الارتطام الأخير في هذه الفوهة الإعصارية المهولة ذات الألوان القاتمة المخيفة والأصوات المرعبة التي لم استطع تمييزها وهي تبتلع صراخي .. استمر السقوط الهائل السرعة من غير أن أصل .. بدا الامر مزعجا ومرعبا حتى تمنيت أن انتهي بسرعة الى القاع واتهشم تماما .. لم يعنِ لي الخلاص حينها سوى انتهاء السقوط بي ميتاً ، ولم يعنِني شيء آخر .. مالم أفهمه كيف أنني كنت أرى سقوطي كما لو أنني أقف في الأعلى وأشاهد شخصا آخر يهوي نحو القاع القصي المجهول .. كل شيء كان يبتعد بسرعة قصوى عن ناظري حتى لم أعد أرى سوى نقاط .. نظرت الى نفسي في لجة تلك الفوضى .. اختفت ملامحي .. بدوت نقطة لاأكثر .. نقطة تزداد صغراً ودقة بينما الدوامة العاتية تكبر ..
تراءى لي وجه المرأة المسنة التي صادفتها في المحطة وهي تضحك مرددة .. أنتَ نقطة ـة  ةةةةةة ..
لم أرَ بعد خيال وجهها سوى السقوط اللامتناهي الى القاع الذي لم تبدُ لي حدوده ، حين شعرت بيد تربت على كتفي ، وصوت يقول لي : لقد وصلنا ..
فتحت عيني ّ فزعاً ، ووجدت الشخص الجالس الى قربي يسحب يده من كتفي مبتسما وقد حمل حقيبته وغادر بإتجاه باب النزول ..
في المحطة وبعد أن سحبت قدمي بتثاقل ونزلت ببطء شديد ،  نظرت حولي لاتأكد أن كل شيء حقيقي  ..  وجدت المرأة المسنة الغريبة التي قابلتها في المحطة الاولى ، تمشي بين الجموع بعد أن التفتت اليّ ورمقتني بنظرة رافقتها ابتسامة ساخرة وهي تحرك شفتيها قائلة بصمت  .. أنتَ نقطة .. او هكذا فهمت من حركة شفتيها .. قبل أن تختفي تماما من أمام ناظري ..

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى