يعتقد البعض أن قضايا الانتهازية التي نراها اليوم وتصيب ديننا الإسلامي وتشوه صورته في مختلف بقاع العالم، يعتقدون أنها أساليب جديدة وحديثة، لكن الواقع ومن خلال تاريخنا يثبت أن محاولات الانقضاض على سماحة هذا الدين العظيم ممارسة متواصلة ومستمرة في كثير من المجتمعات الإسلامية، فقد كان هناك دوماً فرق ومذاهب وتيارات بعيدة تماماً عن الدين، ولكنها لجأت له وتلبست طقوسه وحرفت نصوصه لتحقيق أهدافها وطموحاتها لا أكثر ولا أقل، وهو ما نشاهده اليوم في مجتمعات عربية عدة، حيث تزدهر التجارة بالشعارات الدينية الرنانة، فيجري التأثير على الناس ومحاولة تجنيدهم لتحقيق أهداف تلك الأحزاب التي هي أبعد ما تكون عن الإسلام.
ولعل إيراد مثال يكون خير دلالة في هذا السياق، وأيضاً لمزيد من التوضيح للفكرة التي أشير لها، حيث أورد كلمة تحسب للعالم أبوالوليد محمد بن أحمد، الذي عرف بابن رشد، والذي قدم للبشرية منجزات عدة في مجالات الطب والفلسفة والفيزياء وغيرها، وقد عاش خلال الفترة من 520 هـ حتى 595 هـ بمعنى قبل أكثر من 900 عام من عصرنا الحالي، حيث قال «التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، وإذا أردت أن تتحكم في جاهل فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني».
وفي هذه المقولة دلالات كبيرة عدة، منها أن عملية توظيف الدين لخدمة الأهواء الشخصية والطموحات الفردية موجودة منذ القدم، وقبل ما يقارب الألف عام، وأيضاً إن تسطيح فكر المجتمعات وجعلها تعيش في أمية وجهل مطبق يحقق أهداف هؤلاء المتطرفين، لذا هم يضمحلون ويختفون تماماً في كل مجتمع تنتشر فيه العلوم والمعارف مثل مجتمعنا ولله الحمد، والأهم من سياق هذه المقولة أن نتوقف عند محاولة التحكم في العقول والذي تعتبر أداته المثلى تجهيل وتسطيح أفكار الناس.
وأتذكر أن إحدى الدول العربية أقرت برنامج ابتعاث للشباب والفتيات الأكثر تفوقاً لدراسة الطب والفيزياء في الجامعات الغربية قوبل برفض كبير من ثلة ممن يزعمون بأنهم متدينون، بحجة أن في هذا البرنامج تغريب وخطر على أفكار الشباب وغيرها من الأقوال السمجة السطحية، وهنا مربط الفرس، فعدو التطرف والتشدق بالدين هو العلم وسلاح المعرفة، لذا هم يقاومونه ويرفضونه، وهي ممارسة قديمة جداً منذ مئات السنوات وحتى يومنا، والمطلوب من كل دولة أن تركز على نشر العلم في أرجائها وتسليح الناس بالسلاح الأقوى والأمضى وهو العلم والمعرفة لمقاومة مد التجهيل والانقضاض على الناس باسم الدين.