عندما ارى بيانات المجلس القومي للمرأه, ومؤتمرات المرأه وإنجازاتهم عن حصول المرأة المصرية على حقوقها, اتذكر عندما يتم رصف الطرق وتزيين الشارع باصص الزهور حتى تنتهي زيارة المسئول, ويأتي الموظفون العاملون بالمحافظه لرفعها وإعادة تخزينها، فيتسرب لدي إحساس أنهم اقترضوها من مشتل قريب من المحافظة، أو ربما أجروها حتى تنتهي زيارة المسئول ويرحل، وهو يعتقد أن شوارع #مصر كلها مغطاة بالزهور, وكذلك واقع المرأة المصرية.
وكامرأة مصرية عاملة، سأتخذ نفسي نموذجا.. اعمل بوزارة الآثار منذ أكثر من عشرين سنة, لم اسمح لأحد أن يثبط عزيمتي في العمل, وهو عمل شاق حتى على الرجال.. نعمل تحت الشمس المحرقه صيفا والبرد والمطر شتاءا, ولأنني امرأة طموحه – للأسف – حلمت أنني بالعمل الجاد سأصل إلى أعلى المناصب حتى أتوجها بالوزارة في يوم ما، وزاد أعبائي أنني تزوجت مبكرا وأنجبت طفلين.
يومي يبدأ من الخامسة صباحا.. أقوم بتحضير ساندوتشات المدارس لأطفالي والإفطار للزوج، لأتمكن من النزول في السادسة، لأنني اخترت الجزء الأصعب في عمل الآثار، هو الحفائر (التنقيب عن الآثار), يجب أن أكون في الموقع قبل العمال في السابعة صباحا, ولأن العمال رجال، عليّ أن أكون جادة وفي بعض الأحيان قاسية لأعطيهم إنطباعا أنني بميت راجل, ولا أجلس على كرسي وقت العمل، وأعمل كل شىء بيدي.. ارسم.. أصور, وأهبط في الآبار التي قد يصل عمقها خمسة وعشرون مترا، وأكون معهم وقت الحفر داخل البئر، حتى يُردم وجهي بالتراب تماما، حتى إن من ينظر من أعلى، لا يستطيع التفريق بيني وبين العمال الذكور, وكنت أسعد بإطراء رؤسائي على اجتهادي, فقد كنت اعتقد أن هذا يثقل السيرة الذاتية الخاصة بي, وكان معظم الزملاء الرجال يهربون من هذا النوع من العمل, وكنت اعتقد أنني حين أقوم بما يعجز عنه الرجال، سأكون موضع اهتما م كأثرية, زملائي سيعودون لمنازلهم يأخذون “دش” دافئا، ويتناولون غذائهم المجهز قبل وصولهم، وربما يأخذون قيلولة، يخرجون بعدها ليكملوا يومهم على مقهى مع أصدقائهم, أما أنا، فعليّ أن أعود مسرعة للبيت قبل وصول الأولاد من المدرسة لتحضير الغداء، اجلس أبنائي أمامي على ترابيزة السفرة ليكتبوا الواجب, كي أتمكن من سرقة ساعة أغفو فيها، كي أكسر إرهاق فترة الصباح – أنام أمامهم على الكنبة حتى أوحي لهم أنني متيقظة, ثم أقوم لمتابعة دروس الأولاد والاستذكار لهم، حتى يأتي موعد نومهم, وأبدا بعدها في كتابة ما أنجزته في عملي من رسوم وتقارير, وأنهي كل شىء قبل وصول الزوج كي اكون في انتظاره.
حتى فوجئت بأنهم عندما يبدأون في البحث عمن يتولي منصبا، فأنا لا أكون مرئية لهم على الإطلاق, وكنت لا أدع شيئا يثبط عزيمتي، حتى بدأوا في ترشيح من هم أصغر مني لمناصب, وعندما اعترضت، كانت الإجابة: إننا نشفق عليك! يشفقون عليّ في الإدارة، ولا يشفقون عليّ وأنا أعمل تحت الشمس المحرقه والمطر, ثم يمتصون غضبي, ثم تتكرر كثيرا، حتى تأكدت انهم يتعمدون تجاهلي, فتلفت حولي، فلم أجد في وزارة الآثار أي امرأه قد تقلدت أي منصب بامتداد الجمهورية.. كنت اعتقد أن سمعتي في العمل، وكل المواقع التي اجتهدت وعملت بها وساهمت في اكتشافها، قد تمنحني حقا عملت عليه لسنوات طويلة، وأن التقارير العلمية التي سهرت على كتابتها ستمنحني حقي, لكن للأسف.. هذا لم يحدث. فوجئت بمشاركة وزير الآثار في يوم المرأة العالمي.. تم تكريمه، وألقى خطبة عن دور المرأة الفرعونية في صنع الحضارة، وأنها تقلدت المناصب الرفيعة حتى حكمت كحتشبسوت.
الوزير الذي يتباهي بدور المرأة ويقبل تكريما لا يستحقه، ولا أعلم على أي أساس تم تكريمه، فهو وزير لأكبر وزارة ذكورية علي الإطلاق, لا يسمح للمرأة أن تتقلد أي منصب في المواقع الأثرية.
لن يشعر الوزير بالقلق عما يقترفه في حق المرأة العاملة بالوزارة, فهو يعمل في حكومة ونظام أتت به المرأة المصرية التي ثارت على الفساد، وضُربت وسُحلت في الميادين، لتاتي بنظام يقول لها: شكرا.. دورك انتهى!
كل هذا يجعلني كلما رأيت امرأة في عملها.. تجلس على مكتبها لتقشر البطاطس والكوسة, ارفع لها القبعه، فقد ادركت هذه المرأة أنه لا فائدة!