دعا الكاتب الصحفي شريف الشوباشي، عبر تدوينة له على "فيس بوك" فتيات مصر لخلع الحجاب في ميدان التحرير؛ وذلك خلال تظاهرة عامة (مليونية)، في يوم بالأسبوع الأول من شهر أيار/مايو المقبل، وقال أنه يدعو إليها من أجل تصحيح المفاهيم الوافدة من الحركات الوهابية. وقد رحبت هدى بدران - رئيسة الاتحاد العام لنساء مصر - بدعوة الشوباشي، وقالت بدران، لـ"الوطن"، إن دعوة الشوباشي لخلع الحجاب "صحوة سياسية للمرأة المصرية"، و"صفعة" على وجه "الإخوان" والدعوات السلفية. وأكدت رئيس الاتحاد العام لنساء مصر، أن جماعات الإسلام السياسي منذ انتشارها في فترة السبعينات والثمانينات، وهي تحاول تغيير مفاهيم الهوية الثقافية للمجتمع المصري، كي يتلاءم مع حلم "دولة الخلافة"، الذي بدأوه بفرض الحجاب على المرأة المصرية، وانتشار بعض الشعارات، مثل "أختي المسلمة" و"الحجاب فريضة".
إن الدعوة لمليونية خلع الحجاب تأتي في إطار الحرب على الإسلام وأحكامه، والتي تشنها الدول الغربية وأتباعها من الحكام ووسائل الإعلام والمضبوعين بها من المفكرين والناشطين في مجال حقوق المرأة، فالهجوم على الحجاب هو هجوم على عبادة المسلمة لخالقها، هجوم على كونها ملتزمةً بأحكام الشريعة الإسلامية وليس بأفكار الرأسمالية العفنة ودعاوى التحرير التي تطلقها.
ولو نظرنا في التاريخ لوجدنا أن المسلمات التزمن باللباس الشرعي على مر العصور دون أن يتحول إلى موضوع أخذ ورد بين المسلمين، أو يعتبر ارتداؤه حرية شخصية، إلى أن ظهرت حركة تحرير المرأة، التي نشأت في مصر في بادئ الأمر، ثم انتشرت في أرجاء البلاد الإسلامية، تدّعي أنها تريد إزالة الظلم الواقع على المرأة وتحريرها من التبعية للرجل، ومن الشقاء والتعاسة اللذين تعاني منهما، وأنها ستحقق لها السعادة والهناء، وهي في حقيقتها تدعو إلى تحرير المرأة من الآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها مثل الحجاب، وأول مرحلة للسفور كانت عندما دعا سعد زغلول النساء اللواتي يحضرن خطبه أن يزحن النقاب عن وجوههن. وهو الذي نزع الحجاب عن وجه هدى شعراوي مؤسسة الاتحاد النسائي المصري، وذلك عند استقباله في الإسكندرية بعد عودته من المنفى. وفي عام 1919م قادت هدى شعراوي مع زوجة سعد زغلول المظاهرة النسائية التي طافت شوارع القاهرة هاتفة بالحرية، «وتجمعت النساء وهتفن ضد الاحتلال... ثم بتدبير سابق، ودون مقدمات ظاهرة، خلعن الحجاب، وألقين به على الأرض، وسكبن عليه البترول، وأشعلن فيه النار... وتحررت المرأة!!!
وها هو السيناريو نفسه يتكرر في مصر اليوم، ومن الجهة نفسها، وبالشعار نفسه "تحرير المرأة وحقوقها" ولكنهم في هذه المرة يضيفون إليه ذريعةً واهيةً جديدةً يحاولون من خلالها تمييع القضية وإخفاء حقدهم على الإسلام وحربهم على أحكامه، بتصوير الموضوع على أنه تصدٍّ لفكر جماعة أو تيار معين، وتصوير الإخوان على أنهم هم الذين يمثلون الدين، خاصةً بعد ثورة يناير وتولي مرسي للحكم، فقد قال الشوباشي عن دعوته لخلع الحجاب بأنها لـ"تصحيح المفاهيم الوافدة من الحركات الوهابية"، والتصدي "للإسلام السياسي والتيار المتطرف" من خلال التصدي لأهم رموزهم وهو الحجاب، وقد طالب الدولة بمحاربته كما تحارب الإرهاب، كما أن هذه الدعوة هي "لتوجيه صفعة على وجه الإخوان والدعوات السلفية" بتعبير رئيسة جمعية نساء مصر. فهل الحجاب هو جزء من أدبيات الإخوان والجماعات السلفية ومشروعهم السياسي أم إنه فرض من عند الله الرحمن حيث قال تعالى في سورة النور: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾. وقال تعالى في سورة الأحزاب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾؟
ثم لماذا يقرنون بين "الإرهاب" "والتطرف" وبين ارتداء الحجاب؟ أم أن الإرهاب ذلك المصطلح المطاط قد أصبح تهمةً لصيقةً بالمسلمين وذريعةً للبطش والتنكيل بهم والتضييق عليهم في أداء شعائرهم الدينية، بينما "الإرهابيون" الحقيقيون وما يرتكبونه من أفعال إجرامية تجاه شعوبهم، وتجاه الشعوب الأخرى (خاصةً المسلمين) لا يتم اعتبارها إرهابًا وتطرفًا.
كما أن دعوات خلع الحجاب هذه المرة تأتي في ظل دعوات تجديد الخطاب الديني التي أطلقها السيسي، حتى تصبح أحكام الإسلام مفصلةً على مقاس النظام وأسياده، حيث قال في كلمته التي ألقاها في الاحتفال بالمولد النبوي والذي نظمته وزارة الأوقاف موجهًا خطابه لأحمد الطيب شيخ الأزهر قائلًا: (أنتم والدعاة مسئولون أمام الله عن تجديد الخطاب الديني وتصحيح صورة الإسلام، وسأحاججكم به أمام الله)، وأضاف قائلًا: (أنا بقول الفكر ده إلي تم تقديسه، نصوص وأفكار تم تقديسها على مئات السنين وأصبح الخروج عليها صعب قوي لدرجة إنها بتعادي الدنيا كلها.. بتعادي الدنيا كلها، لدرجة إن الواحد وستة من عشرة مليار هيقتلوا الدنيا كلها إلي فيها سبعة مليار عشان يعيشوا همّه، لأن الأمة دي بتمُزق.. الأمة دي بتــُدمر.. الأمة دي بتضيع وضياعها بإيدينا إحنا.. إحنا اللي بنضيعها).
فإذا كانت جرأة السيسي على دين الله قد بلغت هذا الحد في ظل صمت بل تواطؤ من قبل بعض علماء الأزهر، فإنه من غير المستغرب أن يتطاول الشوباشي وأمثاله على الإسلام وأحكامه، وأن تخرج مثل هذه الدعوات في عهده، وأن تغير المناهج وتحذف بعض المواد منها استجابة لأوامر أمريكا، وتحرق الكتب الإسلامية بحجة التحريض على "العنف والتطرف".
أما ما قالته رئيسة الاتحاد العام لنساء مصر في حديثها لجريدة الوطن حيث اعتبرت دعوة الشوباشي لخلع الحجاب "صحوةً سياسيةً للمرأة المصرية"، فإنها والله لقمّة الانحطاط والتخلف والرجعية، أن نجعل من الدعوة لمحاربة أحكام الإسلام، والتخلي عن شرع ربنا صحوة، فما وصل حال أهل مصر عمومًا والمرأة خصوصًا لهذا المستوى من الانحطاط والمعيشة الضنكى إلا بعدما ابتعدنا عن شرع ربنا وصرنا نطبق أحكامًا وقوانين وضعية، ونرفع شعارات الدولة المدنية والديمقراطية والحريات...، فالصحوة السياسية الحقيقية للمرأة تكون بتمسكها بأحكام ربها ونبذها للشعارات والأفكار المخالفة لها، والعمل على تغيير الواقع الفاسد، تغييرًا جذريًا وليس فقط بتغيير الوجوه وبقاء النظام على حاله كما حصل في ثورة يناير، والسعي لإيجاد أحكام الإسلام مطبقةً عمليًا في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، والتي هي ليست حلمًا كما تدعي بدران، بل هي قاب قوسين أو أدنى ان شاء الله.
وختامًا نقول لمن وصف فترة الخمسينات والستينات والسبعينات بالعصر الجميل، ورفع شعار مصر كانت أجمل "بدون حجاب"، إن حال مصر وأهلها اليوم (خاصةً بعد ثورتهم على نظام مبارك) يختلف عما كانت عليه في تلك الفترة، فهم متمسكون بدينهم رغم محاولات إبعادهم عنه، ورغم كل حملات التشويه والتضليل التي تمارس ضده، خاصةً من قبل الإعلام، وما الغضب والرفض العارم لدعوة خلع الحجاب إلا خير دليل على ذلك، ونحن على ثقة بأن الله سيرد كيدهم في نحورهم، وسيعود العصر الجميل حقًا، ولكن ليس عصر الخمسينات والستينات والسبعينات، بل العصر الذي طبق فيه الإسلام في ظل دولة الخلافة لمدة ثلاثة عشر قرنًا من الزمن، وحينها سينعم أهل مصر بل جميع المسلمين به.
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾