تعترينا جميعاً حالات من الإحباط والألم نتيجة لإخفاق أو خيبة أمل من أي من حوادث الحياة المتنوعة، هذا واقع ولا سبيل لإنكاره أو الهروب منه، فما الحياة سوى سعي وركض هنا وهناك ويعتري هذه الهرولة الكثير من القصور والإخفاقات، لذا من الطبيعي أن تلم بنا مشاعر الإحباط، لكن غير الطبيعي نهائياً أن تتحول إلى كارثة أو عامل وسبب لكل فشل يتلبسنا ويتسبب في سقوطنا في براثن المرض النفسي.
وصلتني رسالة من فتاة وكما يظهر من بين سطورها فإنها في مقتبل العمر، وهي محبطة تماماً، لكن لماذا فتاة وفي مقتبل العمر محبطة؟ الإجابة تكمن في معلمتها التي قصت جدائل الحماس في قلبها عندما قللت من إنجازها ومن كلماتها عندما طلبت من التلاميذ كتابة مقالة.
اصطدمت هذه الفتاة في مقتبل حياتها برأي قاسٍ وعنيف عن مقالة كتبتها من معلمة يفترض أن تقوم بواجبها التربوي والعلمي ومدّ تلميذتها بنصائح حتى تقوّم مسيرتها وتغْني تجربتها، وإذا وجد خطأ وهو أمر متوقع فلا بأس من التوجيه والتصحيح من دون إيذاء وتكسير مجاديف الأمل وتحطيم رغبة هذه الفتاة في أن تقتحم عالم الكتابة والتأليف. وسبق أن تحدثت عن النقد القاسي، وأن مفهوم النقد وكلماته ومنطلقاته تستغل لتصفية الحسابات، وأنه موجود في عالم الأدب على نطاق واسع وفي كل مكان من أرجاء العالم، وحذرت من ممارسة هذا الفعل لأن هناك بوناً شاسعاً وفرقاً كبيراً بين النقد من أجل التقويم والبناء والدفع نحو النجاح، وبين شتم وتقليل وتصغير تختفي خلف مفهوم النقد.
وهذا يجعلنا نتساءل إذا كان هذا النوع من النقد بمثل هذه السوداوية عندما يتوجه نحو الأدباء ونحو أسماء قطعت شوطاً لا بأس بها في هذا المضمار، فكيف الحال بفتاة في مقتبل العمر؟ وهذا هو المؤلم والأكثر حزناً، لأننا بهذه الممارسة يمكن أن نقضي على موهبة حقيقة تكون علامة فارقة في مضمار الأدب في مستقبل الأيام. وهذه الرسالة من هذه الفتاة أيضاً تجعلنا ننظر نحو المعلمين والمعلمات، ونتنبه لأهمية أخذهم بيد الناشئة من تلامذتهم بالتشجيع والدعم لا التقليل ووصم منجزاتهم ومبتكراتهم بالقليلة والمتواضعة.
ولنعلم أن مكمن أهمية هذه المهنة العظيمة وهي مهنة التعليم في أنها المحفز الأول والمكتشف الرئيس للعباقرة والمبدعين على مدى التاريخ، فلنولِ هذه المهمة ما تستحقه من العناية والاهتمام. بقي أن أشير إلى أن هذه الفتاة تستحق الدعم والتشجيع، وأتوقع لها مستقبلاً في مقبل الأيام في مضمار الكتابة.